هل هناك ما يسمى ب الحب الأول؟

هل هناك ما يسمى ب الحب الأول؟

هل هناك ما يسمى ب الحب الأول؟

يقول البعض أن الحب الأول هو الحب الوحيد الذي لايغيب عن الذاكرة وتظل ذكراه في قلوبنا تطاردنا حتى النفس الأخير وكل ألوان الحب التي نصادقها في حياتنا هي مجرد جمل إعتراضية تشرح هذا الحب وتدل عليه ولكنها لايمكن أن تطمسه أوتلغيه أوتحل محله كما لو كنا مطاردين به كما قال الشاعر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
*** ما الحب إلا للحبيب الأول

ولكن البعض الآخر يقول عكس هذا الكلام يقولون :
إن القلب يحب مرة واحدة واثتين وثلاثاً وإن الحب الأول الذي يحدث عادة في مقتبل العمر.

ماهو إلا وهم كبير..أما الحب الحقيقي الذي تثبت أركانه فهو حب الزوج لزوجته وحب الزوجة لزوجها وحبهما معاً لابنائهما.
الأخت (ام سعد) تقول:
كنت أشد الناس إقتناعاً في شبابي أن الحب الأول لايموت وأنه يظل معنا حتى آخر العمر حتى خضت التجربة حين وقعت في حب شاب جامعي كان جاراً لنا وكان كل مافيه رائعاً..كلامه..مشيته..تصرفاته لم يكن به عيب شخصي يجعلني أرفضه لو تقدم لخطبتي إلا فقر عائلته وعندما بدأ الخطاب يطرقون الباب لطلب يدي من الأهل كنت أرفض انتظاراً لهذه الخطوة من حبيب القلب ولكنه كان متحفظاً للغاية في مسألة الزواج حتى طلبت منه صراحة أن يتقدم لخطبتي فطلب مني أن أنساه وأوافق على العريس المناسب الذي يتقدم لي وإنه يبارك هذا الزواج مقدماً لأن من يحب حباً حقيقياً يتمنى لحبيبه السعادة والتوفيق وهو لايريد أن يكون أنانياً فلا يزال أمامه مشوار طويل من العمل حتى يكون مستعداً للزواج وقادراً على الوفاء بإلتزاماته المادية فأسرته الفقيرة لاتستطيع مساعدته وإنما هي تنتظر تخرجه حتى يساعدها مادياً بما يكسبه من عمله وله شقيقات هن أولى بجهده حتى يزوجهن وبعد ذلك يلتفت إلى نفسه..حاولت أن أسهل مهمته وأنني لا أريد سوى شخصه وسوف أساعده بمدخراتي ولكنه رفض وأبتعد تماماً عن طريقي وبالفعل وافقت على الزواج من رجل فاضل بمعنى الكلمة كان يكبرني بعشر سنوات وكان مهذباً رقيقاً مجاملاً لايرفض لي طلباً يصبر على عصبيتي وأنجبت منه ولداً وبنتاً وأقسم لك أنني لم اشاهد حبيب القلب الأول طوال مدة زواجي ولكنه في الوقت نفسه لم يغب عن بالي وكانت كل حكاية حب أسمعها أو أقرأها أو أشاهدها على الشاشة تذكرني به لكنني لم أحاول رؤيته أو الإتصال به حتى عندما علمت من إحدى جاراتنا أنه أصبح طبيباً مرموقاً وأنه لم يتزوج بعد .
. أما قصة الحب الأول في حياة الأخت (نوره) لاتختلف كثيراً عن سابقتها فتقول :
أحببت وأنا في مطلع سنوات المراهقة شاباً كان يسكن بجوارنا كنت أجري إليه بأي حجة لألفت نظرة لي..مرة أسأله عن شقيقته الصغرى ومرة لأخبره أن والدتي ستزورهم ويأتيني رده من موقع الشاب الناضج الذي يعاملني كما يعامل شقيقته الصغرى حتى عندما أصطحبني أنا وشقيقته إلى السوق في يوم من الأيام حلقت بخيالي على أمل أن ألفت نظره إلا أنه لم يوجه لي أي كلمة وأستمرت محاولاتي الصغيرة حتى نقلنا الى مدينة أخرى بسبب عمل والدي وأنتقلنا جميعاً لنعيش معه وظلت صورته في خيالي تغيب وتحضر بلا مناسبة وبعد ربع قرن كامل كنت خلالها قد أنهيت دراستي العليا وتزوجت وأنجبت وأصبحت أحتل وظيفة مرموقة في إحدى الشركات دخل إلى مكتبي رجل وقور أصلع الرأس يتقدمه كرشه الضخم ومعه فتاة شابة أتى بها لكي أتوسط لها في العمل الذي أرأسه وأخذ يعرفها بي إنني كنت جارتهم الصغيرة الشقية في هذه اللحظة فقط وددت لو لم يأتي حتى تظل صورته الساحرة القديمة في خيالي.
أما الآن في هذه اللحظة فقد انتهى الحب القديم بالضربة القاضية وعرفت أنني طوال عمري كنت أستدعي الوهم في خيالي وليس الحب.
. تؤيد هذه النتيجة الأخت ( وجدان) فتقول :
الحب الأول ليس إلا وهماً كبيراً لاوجود له في حياتنا وما يحدث في هذه الفترة الحرجة من حياتنا ليس إلا إعجاباً أو إنبهاراً أو إندفاعاً ثم تتغير هذه العواطف والأحاسيس تماماً بمجرد النضج والزواج والأستقرار.
. علماء النفس يقولون:
إن تجربة الحب الأول في حياة الشاب أو الفتاة غالباً ما تكون مجرد أوهام تغذيها التغيرات الجسمانية والهرمونية التي تطرأ على الشباب في فترات مراهقتهم ولهذا فإن هذا النوع من الحب سرعان مايفشل وهذه النتيجة يجب ألا تفاجئ العاشق الصغير وعلى الوالدين أن يعالجا الأمور بذكاء وحكمة وتعاطف وليس بالأوامر والنواهي حتى لايقابل تدخلهم بعناد أكبر أو على الأقل الإحساس بالذنب.
أما إذا أنتهى هذا الحب بالزواج في سن صغيرة فإن مصيره الفشل أيضاً لأن أحكام المراهق على الأمور غالباً ما تكون غير صائبة وتجربته العاطفية مشوبة بإندفاع طبيعة المرحلة السنية التي يمر بها بكل خصائصها من تهور وغرور ومبالغة ولذلك سرعان مايتحطم على صخرة الواقع ويكتشف هؤلاء المراهقون بعد سنوات طالت أم قصرت بل بعد شهور من الزواج أن نظرتهم للطرف الآخر قد تغيرت وأن طريقتهم في الحكم على الأمور وأسلوبهم في التعامل بدأت تختلف لذلك من الأفضل عدم الإندفاع خلف حب المراهقة وعلى الأهل أن يتدخلوا برفق ليحولوا دون هذه الزيحات حتى لاتنهدم بيوت ويتشرد أطفالهم في الواقع كانوا أبناء لأطفال أيضاً.
وهكذا يمكن ترويض هذه العواطف المبكرة عند الشباب بحيث تصبح قوة إيجابية في حياتهم بدلاً من النزيف الذي تسببه لمشاعرهم خصوصاً في مجتمعنا العربي الذي يملك تراثاً نادراً من القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية الأصيلة التي تنظم مجرى العواطف البشرية وترسم لها الطريق بعيداً عن الإنحراف والإندفاع الذي تسببه وتقويه فورة مشاعر المراهقة والتي كثيراً ماتخطئ الهدف ولاتحسب حساب النتائج.
على أن يوضع في الإعتبار أن الحب الأول هو تجربة تختلف من إنسان إلى آخر فالبعض قد يراها مجرد عاطفة عارضة لاترتقي إلى مستوى الحب..بينما يرى البعض الآخر أن الحب الأول يحفر في القلب والذاكرة ولاتمحوه الأيام أو الأعوام في الوقت الذي لايعترف فيه فريق ثالث بتقسيم الحب إلى أول وأخير وأن الحب الأول هو الحب الأخير عندما ينتهي بالزواج بعد أن ينضج الشخص عقلياً وجسمانياً واجتماعياً وعملياً تتأكد عواطفه وتستقر وهذا النوع من الحب كفيل بأن يجعل الحياة الزوجية مهما طالت بمثابة سنة أولى حب حيث يستمر توهج العاطفة وتدفق المشاعر.
. كيف نتخلص من ذكرياتنا العاطفية ؟
البروفيسور (دانيال واجز) استاذ علم النفس بجامعة ترينتي الامريكية يرى بعد دراسة طويلة له أن الأسرار العاطفية عموماً وذكريات الحب الأول بوجه خاص قد لاتكون دائماً مبعث سعادة وبهجة بل قد تمثل مصدر للألم وتأنيب الضمير وفي دراسة شملت نحو 132 عينة من الرجال والنساء ما بين سن 22 سنة حتى 92 سنة من العمر طلب الباحث من أفراد العينة أن يركزوا على خمسة من تجارب الحب السابقة في حياة كل منهم ثم يدونون ملاحظاتهم على أكثر تلك التجارب تأثيراً في نفوسهم والتي لاتزال ذكرياتها ماثلة في أذهانهم بقوة إلى الآن وقد تبين من مراجعة الإجابات أن الذكرى الأقوى كانت لقصص الحب التي كانت من طرف واحد ولم يفصح عنها أصحابها لأحد بل ظلت حبيسة لصدورهم ورغم أن معظم أفراد العينة يستمتعون في الوقت الراهن بحياة عاطفية طيبة ومستقرة ولايبدون أي نوع من الندم على حب قديم ضائع إلا أنهم لايستطيعون مقاومة إلحاح هذه الذكريات .
يرجع الباحث السبب في ذلك إلى عنصر الخصوصية الشديدة التي تمثلها هذه الذكريات والتي تكسبها على مر الزمن قوة وبقاء .
ثم يفسر البروفيسور (دانيال واجز) الأمر بأن عقل الإنسان يميل إلى التركيز على الأشياء التي يحاول نسيانها بمعنى أن رغبة الإنسان في نسيان أسراره العاطفية تجعله أكثر تذكرآ لها
ولذلك ينصح من يتألمون من هذه الذكريات بأن يجربوا البوح بها لشخص يثقون به تمامآ أو حتى لأوراقهم حتى يتخلصوا من عبء تذكرها وهو يرى أن ذلك قد يعزز من الفهم المتبادل بين الإنسان ونفسه وبينه وبين شريك حياته الحالي ولكنه يحذر من إختيار الشخص غير المناسب الذي قد تبوح له بذكريات قد لايكون مؤتمناً عليها..ثم يؤكد في النهاية أنه في جميع الأحوال فإن جزءاً من ماضي الإنسان العاطفي يظل ملازماً له مدى الحياة وعلى الإنسان أن يتقبل هذا الأمر كواقع ولكن الأفضل أن نحاول الإحتفاظ بالذكريات الجميلة ونطرد الذكريات المؤلمة.

مدونة فهد الحربي : هل هناك ما يسمى ب الحب الأول؟

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *