لاتخجل من دموعك
لاتخجل من دموعك

لاتخجل من دموعك ولاتحبسها..ضع رأسك على صدر أقرب الناس اليك أو أغلق على نفسك الباب و (أبكي كما تشاء) فالبكاء ليس كما تعتقد دليل على الضعف والإحباط وإنما يدل على أنك في تمام صحتك النفسية فالدموع الساخنة تغسل صدأ النفوس وتجعلك أصفى ذهناً وأقوى عزيمة فكل الأبحاث تؤكد أن البكاء يعيد للذهن رؤيته الصافية وللعقل ملكاته كاملة وللإرادة قوتها وللعزيمة والإصرار دورهما في تقرير أمورك.
والبكاء أيضاً يخفف التوتر ويصرف الشحنات الإنفعالية الكبيرة التي تؤثر على عقلك..والمرأة أطول عمراً من الرجل وأكثر صحة وسر صحتها وطول عمرها في دموعها.
. ومن فضل الله سبحانه وتعالى علينا أن حبانا هذه النعمة فالبكاء كالضحك ظاهرة نفسية خاصة بالإنسان من دون الحيوان..والحيوان لايضحك ولايبكي أيضاً بمعنى أن دموع الحيوان ليست لها دواع عاطفية كالإنسان ولكنها إفرازات تصدر عن الغدد الدمعية بسبب مؤثرات عضوية لا دخل فيها للعواطف والإنفعالات والتوتر.
والبكاء هو أول ما يستقبل به الوليد دنياه وآخر ما يودع به الإنسان من الأهل والأصحاب أنه بداية الحياة ونهايتها.
والبكاء تعبير عن الألم.. وخبره تمر بكل فرد في مراحل حياته المختلفة والبكاء أنواع:
عالم النفس النمساوي الشهير (سيجموند فرويد) يقسم البكاء إلى أربعة أقسام:
1/ الإجهاش: كصراخ المولود مثلاً وثورته وغضبه من العالم الجديد الذي وجد نفسه فيه خارج مأواه الدافيء.
2/ الدموع بلا صوت وهو ذرف للدموع وغالباً ما يكون دلالة على رغبة في حياة ماضية كانت أكثر سعادة وطمأنينة أو مرور ذكرى مؤثرة.
3/ النشيج: وتستعمل فيه عضلات البطن والتجويف الصدري والاوتار الصوتية.
4/ البكاء المكتوم: وغالباً ما يكون بلا دموع وهو أخطر أنواع البكاء ويبدو فيه الشخص أشد ما يكون رغبة في الموت والعودة إلى حياة الجنين الأولى وهو يدل على حالة من اليأس الكامل من الحياة..ويقول الفيلسوف الألماني (شوبنهاور) في هذا (كلما قل نشاط الإرادة هبطت درجة الألم وهانت حياة الإنسان على نفسه)
والبكاء المكتوم دلالة مبدئية على هبوط هذه الإرادة والعاقل هو من يتبين ذلك فيشحذ إرادته ويطرد هواجسه ويستمد من ضعفه الذي وصل إليه قوة جديدة في مواجهة ما يقابله من إحباطات وكثيراً ماتتداخل هذه الأنواع من البكاء فهي وإن كانت تبدو منفصلة إلا أنها في الواقع متداخلة ونوبة البكاء تبدأ بأبسط الإنواع وترتقي إلى ماعداه.
وقد حاول العالم الشهير ( شارلز داروين ) سنة 1872 أن يجيب عن السؤال لماذا نبكي؟ فقال في كتابه ( التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوان):
إن الإنسان هو وحده الذي يعبر عن عواطفه بالدموع ..ولكي يتأكد من ذلك قام بدراسة المئات من الباكين فوجد أن هناك دافعاً واحداً مشتركاً للبكاء وهو الألم العاطفي أو الجسدي..ولكن (داروين) فرق بين عملية البكاء كمتنفس للحزن وبين الدموع المصاحبة لعملية البكاء وقال:
إن علاقة الدموع بالبكاء علاقة عرضية فالعين يمكن أن تفرز الدمع حين تتأثر بمهيج خارجي كما أن الإنسان يمكن أن يبكي حزناً من دون أن يذرف الدموع..
وفي سنة 1960 تقدم عالم آخر هو (أشلي مونتاجو) المتخصص في علم السلالات البشرية بنظرية أخرى تقول:
(ان الدموع ترطب الأغشية المخاطية المبطنة للمسالك الهوائية الأنفية ولولا هذه الدموع لأصاب هذه الأغشية أبلغ الضرر وإن كان هذا ينطبق على الأطفال أكثر من الكبار)
ولكن هذه الدراسة تركز على جانب واحد وهي (الدموع) وفائدتها البيولوجية لكنها لاتتطرق إلى ربط الدموع بالحالات الإنفعالية وتحليل الدموع ومعرفة مكوناتها..لكن : هل كل الدموع دموع أحزان؟.
. بعض علماء النفس يقولون نعم رغم أن هناك دموعاً تذرف في حالة الفرح الشديد وكلنا مررنا بهذه الظاهرة لكن المؤكد هو ان هذه الدموع التي تطلق عليها دموع الفرح في حالة النجاح في الإختبار مثلاً أو في حالة الزواج أوالحصول على شيء تمناه الفرد من مدة طويلة أوعند سماع خبر سار عن ابنه أو أحد يهمه أمره بدرجة عالية هو في الحقيقة بكاء على المجهول المنتظر الذي يعقب الحصول على ما تمناه الفرد أو سمع به.
إن البكاء في حقيقته هو (صمام الأمان) الذي يتسرب منه البخار المكبوت والمضغوط وإلا أخذ التعبير عن العواطف أشكالاً أخرى مدمرة كما في حالات الأطفال الذين يتعرضون للعقاب المستمر نتيجة لبكائهم..إنهم يحاولون كبت هذه الدموع وهذا البكاء فيتحول ذلك إلى نوع من المرض هو (الربو) فالربو كما يقولون إلى جانب أنه أحياناً حساسية وراثية أو حساسية ناتجة عن تلوث البيئة أو نتيجة لإلتهابات الشعب الهوائية..إلا أنه كثيراً ما يكون نتيجة لعوامل كبت عند الصغير بسبب العقاب الذي يناله عند البكاء.
ويقدم العالم الأمريكي الدكتور (وليم فراي) الأستاذ في جامعة مينيسوتا الأمريكية آراء جديدة حول البكاء والدموع فعندما تم سؤاله عن سبب تجاربه؟ وهل هو يبكي كثيراً؟ أجاب:
(على العكس فإنا لم أبك منذ عشرين عاماً وكنت أتساءل دائماً لماذا نخفي حقيقة مشاعرنا أمام الآخرين أو أمام أنفسنا إلى حد أن بعض الرجال يكبتون أحزانهم ودموعهم ويدفعون ثمن هذا الكبت أنواعاً غير بسيطة من الأمراض العضوية أو الأمراض النفس جسمية فنحن نعلم أن البكاء يخلص الجسم من المواد الضارة التي تتكون أثناء هذه الأزمات الإنفعالية)
وقد قام الدكتور (فراي ومعاونوه) في مستشفى (سانت باول رامس) بتجارب على مايقارب من 100 شخص بين رجل وامرأة في أعمار مختلفة ووضعوهم في حالات نفسية وبيولوجية متعددة.. مرة تحت مؤثرات مؤلمة.. ومرة تحت مؤثرات ضاحكة..ومرة تحت مؤثرات مهيجة للعين.. وقد خلصوا إلى نتائج مهمة منها:
1/ أن نصف الرجال الذين أخضعوا للتجربة لم يذرفوا دمعة واحدة خلال ثلاثين يوماً .
2/ إن نسبة البكاء عند النساء أكبر منها عند الرجال بحوالي خمس مرات.
3/ إن نسبة البكاء بلا دموع أقل كثيراً من البكاء المصحوب بالدموع.
4/ بعض السيدات اللاتي خضعن للتجربة ضربن الرقم القياسي وانخرطن في البكاء المتواصل لأكثر من ساعتين.
. مسببات البكاء الشائعة:
أما ما أنتهت إليه التجارب فيما يتعلق بمسببات البكاء فكان:
40% بسبب الأزمات العائلية الحادة .
27% بسبب الأفلام العاطفية المأساوية.
36% من الرجال بسبب الصراع في عملهم أو علاقاتهم الإنسانية أو العاطفية وقد اعترف 85% من النساء و 72% من الرجال بأنهم أحسوا بأرتياح كبير بعد البكاء.
. والدموع نفسها أيضاً خضعت للتحاليل ومنذ أكثر من قرن من الزمان قام العالمان (أنطوان دي فور كروي) و (لويس فاكولين) بتحليل الدموع واكتشفا إحتواءها على (كلوريد الصوديوم) وهو ملح الطعام وأملاح أخرى سواء كانت هذه الدموع نتيجة لإلتهابات مهيجة للعين أو نتيجة لبكاء حقيقي.
وفي سنة 1957 أعلن الكيميائي الأمريكي (روبرت برونيش) بعد سلسلة من التجارب المعملية أن هناك فرقاً بين الدموع الحزينة والدموع الناتجة عن التهاب العين فالدموع الحزينة تحتوي على نسبة أكثر تركيزاً من البروتين إلى جانب المكونات الأخرى من الأملاح .
وفي سنة 1959 أعلن العالم الفنلندي ( ولف كراوز) أنه لاتوجد فروق كيميائية تذكر بين مكونات الدموع العاطفية وغيرها لكن العالم الأمريكي (وليم فراي) أكد بما لايدع مجالاً للشك أن تجاربه أثبتت أن الدموع الحزينة تحتوي كما قال من قبل العالم ( برونيش) على مواد بروتينية مركزة أكثر من الدموع السطحية الأخرى.. كما أن دموع الذين يتعرضون لضغوط نفسية شديدة تحتوي على مجموعة من المواد الأخرى منها: مادة (بيتا اندروفين) المهدئة للألم والتي يفرزها المخ تلقائياً في حالة تعرض الجسم للآلام المختلفة.
كما أثبت أيضاً أنها تحتوي على بعض الهرمونات ومنها هورمون النمو الموجود في الغدة النخامية..كما أن الغضب الظاهر يفرز في الدموع مادة (كاتيكولامين) وهذه لا تفرز إلا من الجهاز العصبي..أما الغضب المكبوت فيفرز مادة ( الأدرينالين) ويطلقها في الدم ومن ثم إلى الغدد الدمعية فالدموع.
والنتيجة النهائية لتجارب (الدكتور وليم فراي) أنه متى سلمنا مع علماء النفس بأن الدموع تساعد على التخفيف من حالات الحزن والضيق فإننا نعرض أنفسنا لمتاعب نفسية شديدة نحن في غنى عنها إذا حاولنا كبت هذه الدموع في مآقينا فليس أسلم من إطلاق العنان لطبائعنا السوية في البكاء والذين يتفننون في إخفاء حزنهم عن الآخرين هم أنفسهم الذين ينتهون إلى فقدان اتصالهم بحقيقة مشاعرهم.
لذلك يقول لك العلماء :
حاول أن تكون طبيعياً وأطلق العنان لدموع عينيك كلما شعرت بذلك ولاتحبسها لأنك بذلك تمنع خروج السموم من جسمك والأحزان من صدرك فينعكس ذلك على نفسك كبتاً وإحباطاً واكتئاباً تدفع ثمنه غالياً من صحتك ووقتك بينما العلاج في دمعة من عينيك.