اعتدال يسأل والمجتمع يجيب

اعتدال يسأل والمجتمع يجيب

بينما كنت أتصفح منصة X استوقفني سؤال طرحته صفحة اعتدال المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف يقول:
كيف يمكن تعزيز المسؤولية المجتمعية لمواجهة التطرف وبناء مجتمع محصن ومستقر؟ هذا السؤال رغم بساطته الظاهرة يحمل في طياته عمقاً فكرياً يستحق التأمل، ويعكس حرصاً حقيقياً من المركز على إشراك المجتمع في صياغة الحلول لا الاكتفاء بالتحليل النظري.​
اعتدال ليس مجرد مركز بحثي، بل عقل استراتيجي ينبض بالحيوية ويعمل على تفكيك جذور التطرف بأسلوب علمي وإنساني..مايميزه هو قدرته على الجمع بين الرصد والتحليل وبين المبادرة والتفاعل، مما يجعله أحد أبرز النماذج العالمية في هذا المجال..وجوده في قلب الرياض يعكس التزام المملكة العميق بمواجهة الفكر المتطرف ليس أمنياً فحسب، بل فكرياً وثقافياً، وهو التزام تجسده القيادة السعودية بكل وضوح.​
سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز و سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- قدّما نموذجاً فريداً في بناء دولة حديثة متماسكة ومحصنة من الداخل.
دشّن الملك سلمان المركز في 21 مايو 2017 بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة 55 دولة، في خطوة تاريخية تؤكد ريادة المملكة في مواجهة التطرف..الأمير محمد بن سلمان برؤيته الطموحة لم يكتفِ بتطوير الاقتصاد والبنية التحتية، بل وضع الإنسان في صدارة المشروع الوطني مؤمناً بأن الفكر هو حجر الأساس لأي نهضة حقيقية. دعمه للمراكز الفكرية وتحديثه للخطاب الديني وتأكيده على الاعتدال والتسامح، كلها خطوات تعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة.​
أما عن تعزيز المسؤولية المجتمعية، فالأمر يبدأ من إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والمجتمع..لايمكن بناء مجتمع محصن دون أن يشعر كل فرد بأنه جزء من منظومة أكبر لها أهداف واضحة وقيم مشتركة ومسؤوليات متبادلة.
التطرف غالباً ما ينمو في فراغات الهوية وفي غياب الانتماء وفي لحظات الانعزال، لذلك فإن أول خطوة في المواجهة هي خلق بيئة يشعر فيها الجميع بأنهم مرئيون ومسموعون ومشاركون.​
من الحلول العملية التي يمكن تبنيها إنشاء منصات حوارية يقودها الشباب وتُشرف عليها جهات مختصة، تهدف إلى مناقشة القضايا الفكرية والاجتماعية بشفافية بعيداً عن التلقين أو التوجيه الأحادي هذه المنصات يمكن أن تكون جزءاً من المبادرات الوطنية وتُدمج في برامج التعليم والإعلام والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات كذلك يجب أن يُعاد النظر في دور الأسرة لا كمجرد وحدة اجتماعية، بل كمؤسسة تربوية أولى.. تمكين الوالدين من أدوات الحوار وتوفير موارد معرفية تساعدهم على فهم التغيرات النفسية والسلوكية لدى الأبناء، يخلق بيئة منزلية آمنة فكرياً ويمنع الانجراف نحو الأفكار المتطرفة.​
من جهة أخرى، يمكن تطوير تطبيقات رقمية ذكية تُستخدم للكشف المبكر عن مؤشرات التطرف وتُربط بمنصات دعم نفسي وفكري تُدار بسرية واحترافية..هذه التطبيقات يمكن أن تكون جزءاً من استراتيجية وطنية رقمية تُشرف عليها جهات مثل اعتدال الذي يمتلك تقنيات متطورة قادرة على رصد وتحليل المحتوى المتطرف في 6 ثوانٍ فقط.
الفن والثقافة أيضاً لهما دور محوري في بناء مجتمع متوازن.. إنتاج أعمال فنية تناقش قضايا التطرف بأسلوب إنساني وتُقدم نماذج إيجابية في التعايش والتسامح، يساهم في تشكيل الذائقة الفكرية ويعزز مناعة المجتمع ضد الخطاب المتشدد.​
المؤسسات التعليمية يجب أن تتحول من مجرد أماكن لتلقين المعرفة إلى فضاءات لتشكيل الفكر وتعزيز النقد وتدريب الطلاب على التفكير المستقل إدخال مناهج تتناول مفاهيم الهوية والانتماء والتعدد والتسامح، يساهم في بناء جيل قادر على مواجهة الأفكار المنحرفة بالحجة والمنطق.​
القيادة السعودية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أثبتت أنها تدرك أن الأمن لايُبنى بالسلاح فحسب، بل بالفكر وبالوعي وبالقدرة على احتواء الاختلاف..دعمه للمراكز الفكرية ورؤيته في تمكين الشباب وتطوير التعليم، كلها خطوات تعكس حرصاً على بناء مجتمع لا يكتفي بالتحصين بل يصنع مناعته الذاتية.​
اعتدال كمؤسسة يستحق الإشادة على دوره الريادي منذ تأسيسه، حيث نجح خلال ثماني سنوات في منع ملايين المحتويات المتطرفة ونقل خبرته إلى أكثر من 78 دولة حول العالم. طرحه لهذا السؤال في منصة عامة يعكس شفافية عالية ورغبة صادقة في إشراك المجتمع في صياغة الحلول. هذا النوع من التفاعل هو ما يصنع الفرق ويحوّل الفكر إلى ممارسة والمبادئ إلى واقع.​
المجتمع المحصن لا يُفرض عليه الاستقرار بل يصنعه بنفسه، من خلال وعيه وتماسكه وقدرته على مواجهة الأفكار المنحرفة بالحجة وبالقدوة وبالعمل الجماعي.​

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *