الحنكة والتواضع في خدمة الوطن قصة أمير لا يغلق بابه

الحنكة والتواضع في خدمة الوطن قصة أمير لا يغلق بابه

في لحظة ذات دلالات عميقة، صدر الأمر الملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز مستشاراً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، ورئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز..هذا التعيين لم يكن مفاجئاً لمن عرف سموه عن قرب فقد أثبت خلال سنوات عمله أميراً لمنطقة المدينة المنورة أنه رجل دولة استثنائي من الطراز الرفيع، يجمع بين الحنكة الإدارية، والرؤية الثقافية، والتواضع الذي يصل إلى قلوب الناس قبل أن يلامس أيديهم.
الأمير فيصل بن سلمان، الذي نشأ في كنف والده سيدي ومولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، نهل من مدرسة إدارية صارمة، تؤمن بأن العمل قيمة عُليا، وأن خدمة الوطن لاتعرف الكلل ولاالتوقف..لم يكن سموه مجرد أمير يدير شؤون المنطقة من مكتبه، بل قائداً ميدانياً موجوداً بين الناس، يتنقل بين المشاريع، يلتقي بالمواطنين، ويستمع إلى همومهم دون حواجز..مكتبه ظل مفتوحاً دائماً لايُغلق في وجه أحد، وكان حريصاً على أن يشعر كل ساكن في المدينة المنورة بأنه شريك في مشروعها التنموي، لامجرد مستخدم لخدماتها.
وأنا كأحد سكان منطقة المدينة المنورة، كنت اشاهد بعيني أثناء مراجعاتي المتكررة للإمارة جموع المواطنين وهم يلتقون سموه للسلام عليه، أو لتقديم الشكاوى والاقتراحات والطلبات.
لقد كان المشهد يعكس حقيقة راسخة أمير متواضع، قريب من الناس، يستمع أكثر مما يتحدث، ويؤمن بأن منصب القيادة وسيلة لخدمة الناس لا للتفريق بينهم.
خلال فترة إدارته للمدينة المنورة، عاشت المنطقة نقلة نوعية في شتى المجالات.. تطوير للبنية التحتية، تحسين لجودة الحياة، وتعزيز لهويتها الثقافية باعتبارها موئل الحرمين الشريفين..لم تكن تلك الإنجازات مجرد أرقام جامدة على الورق أو عناوين في تقارير رسمية، بل كانت واقعاً محسوساً في حياة السكان والزوار على حد سواء..كان سموه الكريم يدرك أن المدينة المنورة ليست مكاناً مقدساً فحسب، بل مركز حضاري جدير بأن يُحتذى به في التخطيط العمراني والتنمية المستدامة.
الأمير فيصل تعلم من والده الملك سلمان -حفظه الله- أن الإدارة مسؤولية قبل أن تكون سلطة، وأن الشغف بالعمل والإنجاز لاينبع من المناصب أو الألقاب، بل من إيمان عميق بأن الوطن يستحق دائماً الأفضل..لذلك ظل حريصاً على أن تكون كل خطوة مدروسة بعناية، وكل قرار نابعاً من رؤية شمولية تعكس تطلعات الناس، بعيداً عن القرارات الارتجالية أو الانفعالية..وكان سموه يؤكد أن النجاح الحقيقي لايقاس بالتقارير أو الصور الرسمية، وإنما بشعور المواطن بأن حياته تغيرت نحو الأفضل.
واليوم، ومع تعيينه رئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، يدخل سموه مرحلة جديدة من العطاء الوطني..فالدارة تعد من أهم المؤسسات الثقافية في المملكة، إذ تحمل رسالة الحفاظ على إرث الوطن التاريخي، وتوثيق ذاكرة الجزيرة العربية، وتقديمها للأجيال المقبلة بأسلوب بحثي متطور..إنها ليست مجرد أرشيف تاريخي، بل ذاكرة وطنية نابضة، تحتاج إلى قيادة تؤمن بأهمية التاريخ، وتعرف كيف توظف أدوات العصر للحفاظ عليه وإبرازه.
وبفضل الخلفية الأكاديمية والثقافية التي يمتلكها، والخبرة الإدارية المتراكمة عبر سنوات خدمته، فإن الأمير فيصل قادر على إحداث نقلة نوعية في عمل الدارة..فهو يدرك أن التاريخ
لايُحفظ في الوثائق فحسب، بل يُعاد إنتاجه من خلال المشاريع البحثية الرصينة، والمعارض التفاعلية، والتقنيات الرقمية الحديثة، والتواصل الانفتاحي مع المجتمع..ومن المنتظر أن تشهد الدارة في عهده توسعاً في أنشطتها، وتحديثاً متواصلاً في آلياتها، وانفتاحاً أوسع على المؤسسات الثقافية العالمية، لتعزز موقعها بوصفها مرجعاً أصيلاً وموثوقاً لتاريخ المملكة وتراثها.
إن تعيين الأمير فيصل بن سلمان في هذا المنصب الرفيع ليس تكريماً لشخصه فقط، بل هو تكريم للقيم التي جسدها طوال مسيرته..أن الإدارة الناجحة تقوم على الإخلاص والتواضع، وأن العمل الجاد والمثابرة هما اللغة التي يفهمها الوطن.. كما أنه تأكيد على النهج الحكيم الذي تتبناه المملكة في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والإيمان الراسخ بأن الثقافة والتاريخ يشكلان معاً ركيزتين أساسيتين لبناء المستقبل المشرق.
الأمير فيصل بن سلمان ليس اسماً يضاف إلى قائمة المناصب، بل هو قصة نجاح وطنية متفردة، تُروى بفخر وتُكتب بحروف من نور في سجل إنجازات الوطن، شاهدة على أن الحنكة حين تقترن بالتواضع تولّد قيادة تُلهم وتبني وتخلّد.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *