البيعة ليست تطبيلًا..إنها شرف ووعي
البيعة ليست تطبيلًا..إنها شرف ووعي

في قلب الجزيرة العربية، حيث تنبض الأصالة من رمال الصحراء وتتشكل الهوية بين نخيل الواحات، نشأ ولاء لايُشبه أي ولاء..ولاء للحاكم والوطن، لاتفرضه دساتير مستوردة، ولاتُنظّمه قوانين مكتوبة، بل ينبع من عمق التاريخ وتجارب متراكمة جُبلت بالعراقة والانتماء.
من هنا، من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، يتجلى نموذج فريد في العلاقة بين الشعب وقيادته..علاقة لاتفهمها الشعوبيات الضيقة، ولاتستوعبها المجتمعات التي أنهكها الاستعمار ومزقتها الانقلابات العسكرية..هنا
لايُنظر إلى الحاكم كسلطة مفروضة فوق الرؤوس، بل كرمز للتماسك، وامتداد طبيعي للقبيلة والعائلة، من عاش بين الناس، وشاركهم الجوع والبرد، ووقف معهم في الشدائد قبل أن يقودهم نحو الرخاء والبناء.
الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- لم يكن غريباً عن قومه، بل كان واحداً منهم، يعرفونه نسباً وسيرة، ويثقون به حين خاض رحلة التوحي..لم يكن مشروعه استعمارياً أو خارجياً، بل حلماً عربياً أصيلاً تحقق بسواعد أبناء الجزيرة.. ولذلك كانت البيعة له ولأبنائه من بعده انعكاساً لثقة متجذرة ورابطة أصيلة لاتُقارن بولاءات مفروضة أومؤقتة.
وحين ننظر إلى حكام الخليج العربي اليوم، فإننا نراهم امتداداً لذلك الحلم الكبير..رجال من صلب الأرض، لم يأتوا على ظهور دبابات أجنبية، ولم تُفرضهم قوى خارجية، بل نشأوا بين شعوبهم، وتربوا على قيم الكرم والشهامة، وعاشوا تفاصيل الحياة البسيطة قبل أن يتحملوا مسؤولية القيادة..لذلك حين يدافع المواطن الخليجي عن قيادته ويعبر عن ولائه، فإنه
لايطبل ولا يتملق، بل يُعبر عن شعور أصيل نابع من الوفاء والامتنان، وعن إدراك ووعي بأن الاستقرار والنهضة التي ينعم بها اليوم لم تكن هبة عابرة، وإنما ثمرة جهود ضخمة وتضحيات عظيمة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن من عاش في مجتمعات مزقتها الانقلابات، وتناوب عليها حكومات مفروضة لاتعيش أكثر من بضع سنوات أو أشهر، يصعب عليه أن يفهم هذا النموذج. اعتاد أن يرى في كل حاكم مشروعاً للعمالة، وفي كل ولاء خيانة، لأنه لم يعرف غير الشك والريبة. أما الخليج العربي، فلم يعرف الانقلابات
ولاصراعات الكراسي، ولم تُعلّق فيه صور الحكام صباحاً لتسقط مساءً..هنا البيعة ليست ورقة تُوقع، بل عهد يُحفظ في القلوب، وتاريخ يُروى في المجالس جيلاً بعد جيل.
ولأنهم أبناء هذه الأرض، فإن حكام الخليج العربي لم ينفصلوا عن شعوبهم، بل ظلوا قريبين منهم، يسمعون احتياجاتهم، يستجيبون لهم، يشاركونهم الأفراح والأتراح، ويقودون التنمية برؤية حديثة تستند إلى الأصالة وتنفتح على العالم..فمن رؤية السعودية 2030 ومشاريع الإمارات الطموحة، إلى نهضة قطر، وحكمة الكويت، واستقرار البحرين، وتوازن عُمان، تتشكل لوحة مشرقة للحكم الرشيد في الخليج، حكم يجمع بين الحداثة والجذور.
ولهذا فإن من الخطأ أن يقيس الآخرون تجربة الخليج العربي بمقاييس مجتمعاتهم المختلفة، ومن الظلم أن تُفرض عليه نماذج لاتشبهه..هنا الولاء قوة لاضعف، والاستقرار وعي وفهم لاخنوع، والحاكم قائد لاطاغية، يعيش هموم شعبه ويسعى لنهضته..ومن يعيش في وطن آمن مستقر، عليه أن يفخر لا أن يخجل، وأن يدافع عن قيادته لا أن يتردد، لأن الوطن يستحق، والقيادة تستحق، والتاريخ يشهد.