العثمانيون سيوف بلاشرف

العثمانيون سيوف بلاشرف

حين يُذكر اسم الدولة العثمانية، يتبادر إلى الأذهان تاريخ طويل من الحروب والاحتلالات،
لايكاد يخلو شعب عربي أو إسلامي أو أوروبي من آثار قهرها ودمويتها..فقد امتد حكمها لقرون، ولم يترك وراءه سوى الخراب والمذابح والدماء. لم تكن تلك الدولة المزعومة دولة حضارة كما يسوّق بعض أنصارها اليوم، بل كانت آلة توسع شرهة لاتعرف الرحمة، ولاتردعها شريعة،
ولاتتحكم بها أخلاق.. تسير بجيوشها كالسيل الجارف، لاتفرق بين مدني ومحارب، ولابين مسجد وبيت، فكل مايعترض طريقها يُباد في سبيل السيطرة والهيمنة.
لم يكن هناك شعب دخلته الجيوش العثمانية إلا وذاق ويلات القهر..من العرب في الجزيرة والشام، إلى الأكراد، إلى شعوب البلقان والأرمن واليونان، وصولاً إلى كل منطقة دنّستها أقدام عسّاكِرها..كانت المذابح سياسة لااستثناء، والغدر منهجاً عاماً لايحيدون عنه..لم تكن جرائمهم حوادث فردية، بل خطة ممنهجة تصدر بأوامر من السلطان الأعلى في إسطنبول، وتُبرر بلسان الدين، بينما الدين منهم براء.
لم تكن الدولة العثمانية دولة عدل، بل كانت دولة طبقية متعجرفة..الأتراك في قمة السلم، والشعوب الأخرى في أسفله، رعايا من الدرجة الثانية..كانت تُنهب الخيرات وتُرسل إلى العاصمة، فيما يُترك السكان في فقر مدقع، بلا تعليم، بلا بنية تحتية، بلا أفق للتنمية..نظروا إلى الشعوب المستضعفة نظرة عبودية صريحة، وكأنهم عبيد في خدمة السلطان.
حتى العلماء والدعاة الذين حاولوا كشف الظلم وإعلان الحق، لم يسلموا فقد سُجنوا، ونُفوا، وقُتلوا.. لم يكن هناك مجال للرأي الآخر أو فسحة للاجتهاد..كل شيء يجب أن يخضع للباب العالي، وكل صوت حر يُتهم بالخيانة أو الزندقة.. فُقهاؤهم لم يكونوا علماء حق، بل أدوات تُسخّر لتبرير الجرائم، وتزيين الباطل بلباس الدين، وقمع كل من يحاول التصحيح بحديد ونار.
أما النساء، فكان وضعهن مأساوياً..لم يكن لهن أي حضور يُذكر سوى في قصور (الحريم) حيث يُباعن ويُشترين كسلع بشرية، ويُستعملن كأدوات للمتعة أو النفوذ السياسي..لم تُمنح المرأة أي فرصة للتعليم أو التمكين أو المشاركة في الحياة العامة..كانت النظرة إليها نظرة دونية بحتة، تختزلها في الجسد وتحبسها خلف الجدران.
والغدر كان سمتهم الدائمة..يعقدون العهود والاتفاقيات ثم ينقضونها عند أول فرصة. يُهادنون اليوم ويطعنون غداً ولم يعرفوا معنى للوفاء أو للميثاق، بل كانت المصالح وحدها تتحكم، حتى ولو كان الثمن دماء الأبرياء..الخيانة لم تكن وسيلة عارضة عندهم، بل جزءاً من تكوينهم السياسي وسلوكهم الثابت.
واليوم، يحاول البعض إعادة تلميع صورة الدولة العثمانية، وتقديمها كرمز للخلافة أو للوحدة الإسلامية، متجاهلين تاريخها الأسود المُلطخ بدماء الأبرياء ويتناسى هؤلاء المروجون أن الشعوب التي عاشت تحت حكم العثمانيين لاتزال تئن من ذكراهم، وأن ذاكرة القهر لاتُمحى بشعار أو بخطاب.
أتذكر والدي -رحمه الله- حين كان يسرد لي قصص جرائمهم، وقد ورثها بدوره عن والده-رحمه الله- في سلسلة من الشهادة الحية التي يؤكدها التاريخ.. جرائم نهب وقتل واستعباد مارستها الجيوش العثمانية باسم الدين، حتى أكرمنا الله بأن أنقذ بلادنا الغالية بحكم آل سعود الكرام، الذين أعادوا للجزيرة العربية عزتها وكرامتها.
الدولة العثمانية لم تكن دولة حضارة، بل دولة احتلال، لا دين يردعها، ولا أخلاق تحكمها. كانت آلة متعطشة للدماء، غارقة في الغدر،
لاتعرف الوفاء، ولاتحترم الإنسان..ومن يحاول اليوم أن يعيد إنتاجها أو يُروج لها، فإنه لايستحضر سوى الفظائع والفظاعات نفسها.. جرائم، ظلم، خيانة، وتاريخ يندى له جبين الإنسانية.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *