الإخوان بين الوهم والدم

الإخوان بين الوهم والدم

بالرغم من التراجع الكبير الذي شهدته تيارات الإسلام السياسي خلال السنوات الأخيرة، ما زالت ميليشيا الإخوان المسلمين تُحاول جاهدة أن تُظهر نفسها كتنظيم متماسك قادر على التأثير في المشهدين العربي والإسلامي..غير أن هذا الإصرار على البقاء لاينبع من قوة حقيقية، بقدر ما يعكس محاولة يائسة لإعادة تدوير خطاب قديم أثبت الواقع فشله في تحقيق أي من الوعود التي طالما تغنّى بها قادة الجماعة منذ نشأتها.
في كل مناسبة، تحرص الجماعة على تذكير مؤيديها بأنها لاتزال قائمة، وأن الضربات الأمنية والسياسية التي تلقتها في أكثر من بلد لم تؤثر على بنيتها..لكن هذه المحاولات لاتستطيع إخفاء حقيقة أن التنظيم يمر بحالة تآكل داخلي وانحسار شعبي، خاصة بعدما تكشفت ممارساته حين أُتيحت له فرصة الحكم في بعض الدول..فبدلاً من تقديم نموذج سياسي أخلاقي كما وعد، كشف عن نواياه السلطوية، وتورط في صراعات دموية، وارتبط اسمه بالعنف والتطرف.
منذ نشأته، حمل التنظيم مشروعاً يتجاوز حدود الدولة الوطنية، رافعاً شعار (الأمة الإسلامية الواحدة) وساعياً لإحياء الخلافة بصيغة حديثة..هذا المشروع، الذي بدا دينياً في ظاهره، كان سياسياً سلطوياً في جوهره، يقوم على اختراق مؤسسات الدولة، وبناء شبكات نفوذ سرية وموازية داخل المجتمع، مستخدماً خطاباً عاطفياً يوظف المشاعر الدينية، ويقدّم نفسه كمنقذ لشعوب تُعاني من الفساد والانحلال.
لكن التجربة العملية فضحت الخطاب النظري.. فالمبادئ التي رفعها التنظيم لم تكن سوى واجهة تغطي مشروعه الحقيقي..مشروع شمولي استبدادي.. وحين وصل إلى السلطة، لم يتردد في استخدام القمع ضد خصومه، وتهميش القوى الأخرى، بل والانقلاب على ما كان ينادي به من شعارات الحرية والديمقراطية..عندها اكتشف كثيرون أن الجماعة لاتختلف عن غيرها من التنظيمات التكفيرية المتشددة التي تسعى إلى الحكم بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ولو كان الثمن الدماء والانقسام.
ورغم هذا السجل، لايزال التنظيم يراهن على فزاعة المظلومية، مقدماً نفسه كضحية للأنظمة، متجاهلاً مسؤوليته عن تأجيج الكثير من الأزمات والصراعات الدامية..فقد كان الإخوان طرفاً أساسياً في تحريك العنف المسلح، سواء عبر دعمهم للجماعات المتطرفة، أو من خلال خطابهم التحريضي الذي غذى الانقسامات الطائفية والسياسية في غير بلد.
اليوم، تبدو الجماعة وكأنها تعيش على هامش التاريخ، تحاول أن تستعيد أمجاداً ولّت، لكنها لاتجد من يصغي لها كما في الماضي. المجتمعات العربية تغيّرت، والوعي الشعبي تطور، ولم تعد الشعارات الدينية الغامضة كافية لاستقطاب الشباب. بل إن شريحة واسعة من الأجيال الجديدة باتت تنظر إلى هذه الميليشيا كجزء من المشكلة لا كحل، بعدما رأت بأعينها نتائج تجربة الإخوان في الحكم.. أزمات اقتصادية، وانقسامات اجتماعية، وتعطيل لمسار التنمية.
ورغم محاولات الجماعة المستمرة لإعادة إنتاج نفسها عبر مؤتمرات إعلامية ومنابر خارجية، فإن الواقع يفرض عليها الاعتراف بأن زمنها قد انتهى، وأنها لم تعد قادرة على التأثير كما كانت.. فالعالم العربي اليوم بات يبحث عن نماذج سياسية وتنموية جديدة، بعيدة عن الخطابات الدينية التقليدية، وقادرة على تقديم حلول عملية للمشكلات المعقدة.
وفي هذا السياق، لم يعد لدى الإخوان مايقدّمونه سوى ذكريات ماضٍ وُهمي لم يكن في يوم من الأيام مشرّفاً كما يحاولون تصويره.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *