كرم السعودية ليس ضعفاً
كرم السعودية ليس ضعفاً

في كل مرحلة من مراحل التاريخ الحديث والمعاصر، كانت المملكة العربية السعودية حاضرة بثقلها، ليس فقط كدولة ذات سيادة، بل كقلب نابض للعالمين العربي والإسلامي..لم تكن يوماً منغلقة على ذاتها، بل مدت يدها لكل محتاج، وفتحت أبوابها أمام كل طالب عون، وسخّرت إمكاناتها لخدمة أشقائها وجيرانها ومن حولها، من غير انتظار لجزاء أو مكافأة، وإنما ابتغاء الوفاء بواجب الأخوة الإنسانية والدينية..ومع ذلك، لاتزال بعض الأصوات ترتفع مطالبة بما يفوق الواجب، ناكرة للجميل، منتقدة لما هو بالأصل فضل ومنّة.
حين اشتدت الأزمات في أوطان عربية عديدة، كانت السعودية أول المبادرين بالدعم، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو عبر احتضان أبناء تلك البلدان في مؤسساتها التعليمية وسوق عملها..لم تفرّق بين عرق أو طائفة أو مذهب، بل رأت الإنسان في جوهره، وتعاملت معه باعتباره أخاً في الإنسانية والعروبة والدين.. ومع ذلك، ومتى تهدأ الأزمات وتبدأ مرحلة الإعمار والبناء، يظهر صوت جديد يطالب المملكة بما ليس من حق أحد أن يفرضه، وكأن ثرواتها مشاع متاح لكل من أراد، وكأن سيادتها قابلة للمساومة أو التفاوض.
يُطلب من السعودية أن توفر فرص العمل لأبناء الغير، وأن تفتح لهم مواردها، وأن تتحمل أعباء إعادة بناء ديارهم، وحين تفعل ذلك يُقال إن النفط ليس ملكاً للسعودية وحدها، بل لجميع العرب!
هذا المنطق المغلوط يتجاهل حقيقة أن المملكة لم تكن يوماً بخيلة أو منغلقة، بل كانت وما زالت أكرم الداعمين للمشاريع التنموية في العالم العربي والإسلامي.. لكن في الوقت ذاته، فهي دولة ذات سيادة، لها أولويات واضحة، ولها واجبٌ تجاه شعبها الذي يحق أن يُقدم على أي طرف آخر.
وليس هذا الكرم السعودي وليد اللحظة، بل هو امتداد عريق لتاريخ طويل من النخوة والشهامة، منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- الذي أسس نهج العطاء، وحتى اليوم حيث تواصل القيادة السعودية السير على نفس الدرب.. لكن المملكة في المقابل لاتقبل أن يُساء فهم هذا الكرم أو يُحوّل إلى التزام مفروض، أو يُتخذ ذريعة للمطالبة بما لايُطلب..لأن كل دولة لها الحق في إدارة مواردها، ولكل شعب أولوية في وطنه.
وما يثير الاستغراب حقاً أن الذين يطالبون السعودية بكل شيء، هم أنفسهم الذين يتنكرون لدورها عند الحاجة للإنصاف..ينسون مواقفها التاريخية، ويتجاهلون دعمها السخي، ويبحثون فقط عن ثغرات لينفذوا منها لهجوم مجاني.. وكأن المطلوب أن تتحول المملكة إلى دولة بلا حدود ولامصالح ولاشعب، فقط لإرضاء الآخرين! وهذا منطق غير مقبول، ولاعادل، ولا أخلاقي.
إن السعودية اليوم لم تعد مجرد دولة نفطية كما يحاول البعض اختزالها، بل هي قوة اقتصادية وسياسية وثقافية عالمية لها رؤيتها وطموحاتها ومشاريعها المستقبلية.. ولها شعبها الذي يستحق أن يُفتخر به ويُستثمر فيه.. والمملكة حين تمد يدها بالعطاء، تفعل ذلك من باب الأخوة والشهامة، لامن باب الضعف أو التبعية.. ومن يعجزعن إدراك هذه الحقيقة، فمشكلته ليست مع المملكة، بل مع نفسه، ومع قصور فهمه لمعنى السيادة والكرم والأخلاق.
وأخيراً أحب أن أقول:
ستبقى مملكتنا الحبيبة كما كانت، شامخة، كريمة، حرة، عصيّة على الابتزاز بالعواطف،
لاتُفرض عليها إملاءات..من أراد التعامل معها بنديّة واحترام، وجدها خير شريك وأكرم سند..أما من أراد استغلال شهامتها وكرمها، فسيدرك قريباً أن الكرم لايعني الغفلة، وأن الأخلاق لاتعني التنازل.