الشرق الأوسط بيد الرياض

الشرق الأوسط بيد الرياض

ما لايدركه كثيرون حتى اليوم هو أن المملكة العربية السعودية لم تعد كما كانت، ولم تعد تسير وفق المفاهيم التقليدية التي حكمت سياساتها لعقود مضت..هناك تحول عميق يجري في الداخل والخارج معاً، تقوده رؤية واضحة الطموحات، وشخصية قيادية واعية تجيد قراءة المتغيرات الدولية وتعيد صياغة موقع المملكة في خارطة العالم.
فسمو سيدي ولي العهد الأمين، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لم يكتفِ بإطلاق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، بل أعاد أيضاً تعريف السياسة السعودية على المستويين الإقليمي والدولي، فاتحاً آفاقاً جديدة للتوازن في التعامل مع القوى الكبرى، بعيداً عن الانحيازات العمياء أو التبعية التقليدية، وإنما بحسابات دقيقة ومصالح وطنية خالصة.
إن مملكتنا الحبيبه اليوم ليست تلك الدولة التي تُقرأ من الخارج عبر عدسات الآخرين وتحليلاتهم، بل هي التي تصوغ خطابها بلسانها، وتحدد أولوياتها بنفسها، وتفرض حضورها في كل المحافل..لم تعد تكتفي بردود الأفعال على الأحداث، بل أصبحت صانعة للحدث، وموجهة للبوصلة السياسية، ومعادلاً أساسياً في إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة..ومن يظن أن المملكة ما تزال تسير وفق نهج الأمس، ولم يستوعب بعد ثوبها الجديد، فإنه لم يفتح عينيه على الواقع، ولم يدرك أن هناك سعودية جديدة ترتدي ثوب الريادة، يعكس مكانتها ويجعلها رقماً صعباً في المعادلات العالمية.
إن التحول السعودي ليس سطحياً أو شكلياً، بل جذري وعميق..فالتغيير الاجتماعي الذي يلامس حياة الأفراد اليوم، يصاحبه تحول سياسي لا يقل عنه أهمية..هناك مراجعة كاملة للمفاهيم، وإعادة تعريف لمعنى الصداقة والخصومة، وتقييم دقيق للتحالفات، وفقاً لما تقتضيه مصالح الوطن قبل أي اعتبارات أخرى..المملكة لم تعد تقبل بأن تُجرَّ إلى معارك لاتخصها ولا أن تُستغل في صراعات لاتعنيها..هي اليوم تقف على أرض صلبة، وتدرك تماماً من معها ومن ضدها، وتدير علاقاتها الدولية بقدر عالٍ من الحنكة والحكمة، دون أن تساوم على ثوابتها أو تتنازل عن سيادتها.
والمنطقة بأسرها تشهد تحولات متسارعة، والسعودية في قلب هذه التحولات، لاعلى هامشها..فالمشروع الإيراني، الذي حاول فرض نفسه عبر الميليشيات المسلحة والخطاب الطائفي، بدأ يتهاوى، ولم يعد يمتلك الزخم الذي كان يتفاخر به.
لقد واجهت المملكة هذا المشروع التخريبي بصلابة وحكمة، وأفشلت معظم أدواته، ليس عبر الشعارات، بل بالعمل الجاد، والتحالفات الذكية، والدعم الحقيقي للدول المتضررة..وهاهي إيران اليوم تواجه عزلة دولية واضحة، وتخبطاً داخلياً، وخسائر متتالية، حتى بات مشروعها مجرد ذكرى مُرهقة أكثر من كونه قوة فاعلة.
أما التنظيمات الإرهابية التي ازدهرت على الفوضى واستمدت قوتها من أطراف داعمة، فقد تراجعت وتلاشت تأثيراتها..والمملكة كانت من أوائل الدول التي تصدت للإرهاب بكل أبعاده
أمنياً
عبر تفكيك شبكاته.
وفكرياً
عبر خطابات الوعي والمراجعة.
ومجتمعياً
عبر محاربة جذوره.
واليوم لم تعد تلك التنظيمات تملك الأرضية التي تتحرك عليها، بل إن بعض الأنظمة التي ساندتها بالأمس تراجعت وتبحث عن مخرج آمن، بعدما أيقنت أن السعودية لن تسمح بعودة الفوضى من جديد.
إن السعودية الحديثة هي دولة المحور، وصاحبة اليد الطولى في إعادة رسم خارطة المنطقة..هي التي تملك القدرة على حفظ التوازن، ومنع الانفلات، وصيانة الاستقرار..ومن ينكر ذلك يعجز عن قراءة الحقيقة ويكابر أمام معطيات الواقع.
المملكة لم تعد مجرد دولة نفطية كما كانت تُختزل في الماضي، بل غدت قوة سياسية واقتصادية وثقافية رائدة، تنهض بشعبها، وتدافع عن مصالحها، وتبني نموذجاً جديداً يُحتذى به إقليمياً ودولياً.
لذلك أحب أن اقول:
متى يستوعب أولئك الذين يصرون على العزف على قضايا هامشية لاتعنيهم أننا أمام سعودية جديدة لا تنتظر تصفيقهم ولا إذنهم؟
إنها تسير بخطى واثقة غير عابئة بمن تأخر عن الركب، ولا بمن عجز عن فهم التحولات. السعودية اليوم تسطر مستقبلها بنفسها، وتفتح بيدها صفحة جديدة من تاريخ الشرق الأوسط.. شرق أوسط بيد الرياض.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *