أين العرب؟

أين العرب؟

في زمن تتكاثر فيه الأصوات وتتناقص فيه الأفعال، بات من السهل على البعض أن يشهروا سهام الاتهام في وجوه من لايستحقونها، مردّدين السؤال :
أين العرب؟.
وكأن العرب وتحديداً دول الخليج العربي قد غابوا عن المشهد أو تخلّوا عن واجبهم تجاه غزة..غير أن الحقيقة، بكل وضوح، تُثبت عكس ذلك..فدول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لم تتخلَّ يوماً عن دعم الشعب الفلسطيني؛ ليس من باب المجاملة السياسية أو رفع الشعارات، وإنما من منطلق ديني وأخلاقي وإنساني راسخ.
هذا الدعم لم يكن أبداً كلمات تُتلى في المؤتمرات أو بيانات تُلقى من المنابر، بل كان دعماً ملموساً، يصل إلى المحتاج مباشرة، دون منّة، ودون ضجيج إعلامي..ومع ذلك، لاتزال بعض الأصوات تصرخ، وتتهم، وتشكك، وكأنها تعيش في عالم موازٍ لاترى فيه إلا ما تريد. والأغرب أن هذه الأصوات لا تُوجه اتهاماتها إلى من تاجر بالقضية عقوداً طويلة، بل تُبدي إعجابها وتصفيقها لمن لم يقدم سوى الوهم، وتُغدق المديح على من يطلق صواريخ خاوية لاتقتل ولاتُحرر، بل تُستخدم لتجميل الصورة أمام جمهوره المخدوع.
أما إيران، التي تقدم نفسها كقائدة لما تسميه (محور المقاومة) فما الذي قدمته لغزة فعلاً؟
لم تقدم سوى الرماد؛ بينما تنفق أموالها وطاقتها على تغذية ميليشياتها في لبنان والعراق واليمن وسوريا(ابان حكم الاسد) لإشعال الفتن الطائفية وبث الانقسامات بين الشعوب، تاركةً غزة لتواجه مصيرها المأساوي.
وأما من يدّعون المقاومة على الأرض، فقد حفروا الأنفاق لالحماية المدنيين، بل لتأمين قياداتهم ومصالحهم. والمقاومة الحقيقية لاتختبئ تحت الأرض بينما يُذبح شعبها فوقها..المقاومة
لاتراكم المكاسب السياسية والخطابية على أنقاض دماء الأطفال والنساء والشيوخ.
وماحدث ويحدث في غزة لم يكن نصراً كما يزعمون، بل مأساة دامية تُضاف إلى سجل طويل من الخيانات والتضليل فمليشيا حماس تُعلن النصر وتعد بتحرير الأقصى وتل أبيب، بينما الواقع يقول إن الأبرياء يُدفنون تحت الركام بلا سند ولا نصير، ولا أحد يبكيهم سوى من يعرف معنى الإنسانية حقاً.
إن الجهاد ليس كلمة تُقال في خطبة حماسية أو شعار يرفع في مظاهرة، بل فعل تحكمه شروط وضوابط، أولها الصدق والعدل، لاالمتاجرة بالدين ولا التضليل باسم العقيدة..ما يجري اليوم في غزة لايندرج تحت مسمى الجهاد الشريف، بل هوعبث دموي يدفع الأبرياء ثمنه، بينما يزيد رصيد مدّعي المقاومة في بورصة الشعارات الوهمية.
الألم يكسر القلوب حين نرى غزة تُباد يوماً بعد يوم..لابيد العدو وحده، بل أيضاً بيد من ادّعى يوماً أنه يحميها ويدافع عنها وهو في الحقيقة يُزايد عليها..ومن يصفق لهذا المشهد المأساوي فهو شريك في الجريمة، بقدر من تاجر بالقضية وباعها.
وتبّاً، تبّاً لكل من شارك في هذا الطوفان الدموي، ولكل من صمت عن الحق، ولكل من صفق للوهم، ولكل من باع أعظم قضية عربية وإسلامية بأبخس الأثمان.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *