اعتدال من الرياض الى العالم

اعتدال من الرياض الى العالم

في مثل هذا الشهر قبل ثمانية أعوام، شهدت العاصمة الرياض حدثاً تاريخياً شكّل نقطة تحول في مسار مكافحة الفكر المتطرف، تمثل في تدشين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال).

انطلقت هذه المبادرة من قلب المملكة العربية السعودية لتكون منارة عالمية تحمل رسالة السلام والتسامح والاعتدال، وتتصدى لكل أشكال التطرف والانحراف الفكري.
لم يكن إنشاء هذا المركز خطوة تنظيمية عابرة أو إجراءً بروتوكولياً بل كان إعلاناً صريحاً عن بداية مرحلة جديدة تقود فيها المملكة، بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- مواجهة الفكر المتطرف بأساليب علمية وتقنية حديثة، وبرؤية عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.
لقد جاء تأسيس اعتدال في وقت بالغ الحساسية، حين اشتدت الحاجة إلى كيان مؤسسي قادر على مواجهة الفكر المتطرف الذي تسلل بخطاباته إلى العقول عبر المنصات الرقمية، مستفيداً من بيئات حاضنة تتكاثر في الظلام..ومنذ اللحظة الأولى، أبدى خادم الحرمين الشريفين اهتماماً كبيراً بالمركز، إدراكاً منه -رعاه الله- لدوره المحوري في حماية المجتمعات من الوقوع في براثن التطرف، وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام كدين رحمة ووسطية.
كما أن ولي العهد الامين الذي يحمل رؤية طموحة لمستقبل المملكة، حرص على أن يكون المركز جزءاً من هذه الرؤية، يقوم على أسس علمية وتقنية رائدة تواكب تحديات العصر.
ثماني سنوات مضت، أثبت خلالها المركز أنه ليس مجرد مؤسسة رسمية، بل عقل استراتيجي يعمل على تفكيك خطاب الكراهية، وتحليل أنماط التطرف، ورصد مصادره، ومواجهة أدواته الفكرية والرقمية..وقد تميز اعتدال بابتكار منظومات ذكاء اصطناعي متقدمة قادرة على رصد المحتوى المتطرف في غضون ثوان معدودة، وتحليله وتصنيفه بدقة تتجاوز 80%، وهو إنجاز غير مسبوق عالمياً في ميدان مكافحة الفكر المتطرف عبر الفضاء الرقمي.
هذه القدرات التقنية لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت ثمرة جهود متواصلة يقودها فريق عمل سعودي مؤهل، يمتلك المعرفة العميقة بالفكر المتطرف، ويجمع بين الخبرة التقنية والوعي الفكري، بروح وطنية وانفتاح عالمي في آنٍ واحد.
ويقوم المركز على ثلاث ركائز استراتيجية أساسية: الفكرية، الرقمية، والإعلامية فمن خلال منظومة متكاملة للرصد والتحليل والتفاعل، يعمل على تفنيد الخطابات المتطرفة، والرد على الشبهات، وتعطيل منصات التغذية الرقمية للتطرف..كما يسعى لتعزيز ثقافة الاعتدال، وإشاعة قيم التسامح وقبول الآخر، عبر خطاب إعلامي متزن متعدد اللغات، يُصاغ بحرفية عالية تراعي الاختلافات الثقافية والاجتماعية للشعوب.
لم يتوقف دور المركز عند الجانب الفكري أو التقني فحسب، بل امتد نحو بناء شراكات دولية وثيقة مع حكومات ومنظمات عالمية، لتوحيد الجهود وتنسيق السياسات وتبادل الخبرات..وقد حظي اعتدال منذ اليوم الأول بتقدير كبير في المحافل الدولية، حيث اعتُبر خطوة حازمة وغير مسبوقة في مواجهة الفكر المتطرف، ضمن استراتيجية مبتكرة وفاعلة قادرة على محاصرته والقضاء على مسبباته عبر العالم.
وخلال فترة وجيزة، رسّخ المركز مكانته كمصدر رئيسي وموثوق للمعلومات والتحليلات المتعلقة بالتطرف، حتى بات مرجعاً معتمداً لدى العديد من المؤسسات الدولية..كما أسهمت دراساته في تحليل سلوكيات المتطرفين، وتفكيك أنماط الاستقطاب والتجنيد، في تعميق الفهم لطبيعة هذا الفكر الهدام، وتطوير أدوات أكثر فعالية لمجابهته..وقد أثبتت المملكة من خلاله أنها ليست مجرد طرف فاعل في مكافحة الإرهاب، بل إنها تتقدم الصفوف وتضرب مثالاً يُحتذى به في الجمع بين الحزم والاعتدال، وبين الفكر والتقنية.

. إن مرور ثمانية أعوام على تأسيس اعتدال ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل محطة للتأمل فيما تحقق، واستشراف ما هو آتٍ.. فقد بدأ المركز كفكرة رائدة، وأصبح اليوم مؤسسة عالمية مؤثرة تحمي الأجيال المقبلة من الانزلاق في مسارات الهدم والتطرف، وتبني مستقبلاً أكثر أمناً قائماً على التعايش والسلام..وفي ظل الدعم المستمر من قيادتنا الرشيدة، والتطوير المتواصل في أدواته واستراتيجياته، يمضي اعتدال بثقة ليكون صوت العقل في زمن الضجيج، ونوراً يواجه ظلام التطرف الذي يحاول التسلل إلى المجتمعات.
وإذا كانت المملكة قد نجحت في إنجاز هذا المركز خلال ثلاثين يوماً فقط، فإن ما تحقق له في ثماني سنوات يفوق التوقعات ويؤكد أن الرؤية كانت واضحة، والإرادة راسخة، والهدف سامياً فـاعتدال ليس مجرد اسم، بل رسالة خالدة، وموقف حازم، ومنهج حياة.
واليوم، بعد ثمانية أعوام، يقف المركز أكثر نضجاً وأشد تأثيراً وأقدر على مواجهة الفكر المتطرف بكل أشكاله وفي كل مكان.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *