أبو نواس ماله وماعليه
ابو نواس ماله وماعليه

لم يختلف الناس حول شخصية من الشخصيات كما اختلفوا حول شخصية
(أبو نواس) أوالحسن بن هانىء ولعل من يقرأ آراء النقاد والأدباء فيه ووجهات نظرهم حول شخصيته لابد وان تتقاذفه امواج الحيرة في بحر بلاموانىء.
قالوا عنه..انه في شيخوخته انصرف عن الملذات والمجون واتجه الى الزهد بعد ان تاب الى الله واستدلوا على ذلك بقصائد الزهد..وقالوا عنه..انه ظل متهتكاً وماجناً حتى مات وان معالجته للزهد في شعره انما كانت نوعاً من الإفتتان اراد به ان يغلب شعراء الزهد كما غلب الشعراء في أبواب كثيرة.
وقالوا عنه..انه كان يتمنى ان يظفر بمكان مرموق في دولة (هارون الرشيد) ولكن الحاقدين من معاصريه امطروه بوابل من الوان الوشايات وحالوا بينه وبين مايشتهي من منازل المجد فأقبل على الخمرة يبثها الشكوى والانين.
وقالوا عنه.. أنه ربما كان يعاني من مرض عصبي نفسي..فقد روى بعض الرواة ان (ابي نواس) كان وليد عشق ابيه لأمه..وأن امه كانت مستهترة بالأخلاق..وكان يعيش في جو لايمت للفضيلة بصله فلا شك أن هذا الجو اثر في مخه الابيض النقي وجعله يأخذ كل العناصر التي تؤلف خلقه في مستقبل حياته ويجعله ينظر للحياة بالمنظار الذي كان ينظر به ابوه وامه.
وقالواعنه..انه كان شعوبياً حاقداً يكره العرب ويزدري عاداتهم وتقاليدهم وكان يعيب على شعرائهم التغزل بالاطلال والإبل..بينما اعتبره البعض الآخر المجدد الأول فهو لم يتبع منهج الجاهلية في الشعر حيث الوقوف على الاطلال وبكاء النؤى والأحجار..بل كان يدعوا الى الحياة الواقعية في باب اللذائذ..كما ابدع في التصويرات والتشبيهات.
وقالوا عنه..انه كان جاسوساً للحزب العباسي..فقد استخدمه العباسيون جاسوساً على البرامكة وانه مامدحهم في بادىء الامر الا ليأمن شرهم.
وقالواعنه..أنه كان وزيراً للدعاية ايام العباسيين فلقد كان ينظم القصائد ويوحي للشعراء ان ينظموا على غراره في الموضوعات التي يراها انفع لتأييد حزبه.
وقالوا.. وقالوا..وربما نعذر النقاد والأدباء فيما اختلفوا فيه حول شخصية هذا الشاعر الفذ..لأن الشاعر نفسه كان يناقض نفسه في كثير من الأمور لنتمثل جميعاً تصوير حبه للخمرة هذا التصوير الذي لم يسبقه اليه أحد.
مازلت استل روح الدن في لطف.. وأستقي دمه من جوف مجروح..
حتى انثنيت ولي روحان في جسد.. والدن منطرح جسماً بلا روح..
وبعد:
وكما قلنا ان النقاد والأدباء قالوا فيه كثيراً واختلفوا فيما قالوه ولكنهم جميعاً اتفقوا على انه شاعر عبقري مجيد.
كان (المأمون) يقول:
لو سألت الدنيا عن نفسها فنطقت لما وصفت نفسها كما وصفها ابو نواس في قوله:
اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
*** له عن عدو في ثياب صديق
ويقول (ابو العتاهية) :
سبقني ابو نواس الى ثلاثة أبيات وددت اني سبقته اليها بكل ماقلته فإنه اشعر الناس فيها ومنها قوله:
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر…..أكبر الأشياء عن أصغر عفو الله أصغر
ولنردد معاً ابياته الشهيرة الرائعة:
حامل الهوى تعب.. يستخفه الطرب.
ان بكى يحق له.. ليس ما به لعب..
تضحكين لاهية.. والمحب ينتحب.
كلما انقضى سبب.. منك عاد لي سبب..
يقول الدكتور (ابراهيم ناجي):
ان أبا نواس لا يقل شاعرية عن اي شاعر غربي من الفحول ولو واتته الظروف والبيئة والهمته المرأة لكان له شأن أعظم من الكثيرين .