بدع أم سعود: صفحات من تاريخ الإمارات العميق
بدع أم سعود: صفحات من تاريخ الإمارات العميق
حين تلامس قدماك أرض (بدع أم سعود) تشعر أن الزمن يتوقف للحظة كأن الصحراء نفسها تحكي لك قصصاً دُفنت في أعماق الرمال لآلاف السنين ليس مكاناً عادياً بل شاهد على وجود بشري عريق عاش وبنى وتفاعل مع الطبيعة قبل أن تُكتب أولى صفحات التاريخ الحديث.
بدع أم سعود ليس موقعاً أثرياً فحسب، بل قطعة من الذاكرة الإماراتية التي تُبرِز بوضوح أن هذه الأرض لم تكن صامتة في الماضي، بل كانت تضج بالحياة والنشاط البشري..وجود الآبار القديمة، ونقوش الصخور، وبقايا الأدوات اليدوية، يؤكد أن الإنسان في هذه المنطقة لم يكن بدائياً بل كان ذكياً مبدعاً وعارفاً بطرق التعايش مع بيئة قاسية..استطاع أن يبني له مسكناً ويخترع أدوات تساعده على البقاء ويترك وراءه مايدل على وعي ثقافي واجتماعي لايُستهان به.
حضارة الإمارات لم تولد مع اكتشاف النفط كما يظن البعض بل تعود لآلاف السنين، والآثار الموجودة في بدع أم سعود وسواها من المواقع، تؤكد أن الإماراتيين القدماء كانوا أصحاب مهارة وتنظيم ومعرفة..لم تكن هناك مباني شاهقة
ولاتقنيات متطورة، لكن كان هناك إنسان يفهم بيئته ويُجيد التعامل معها وهذا وحده دليل على رُقي تلك الحضارة التي نبتت في عمق الصحراء.
ما يثير الإعجاب حقاً هو أن حكام دولة الإمارات لم يتعاملوا مع هذه المواقع كمجرد حجارة من الماضي، بل كرؤية للمستقبل..فقد أدركوا مبكراً أن الشعوب التي لا تحفظ تراثها تفقد هويتها. ولذلك كانت العناية بهذه المواقع جزءاً من مشروع وطني أكبر هدفه ليس فقط الحفاظ على التاريخ بل غرسه في نفوس الأجيال القادمة.
القيادة الإماراتية منذ أيام صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- أولت التراث اهتماماً يندر أن نراه في أماكن أخرى..لم يكن التراث بالنسبة له مجرّد ترف ثقافي بل كان ركيزة أساسية لبناء وطن قوي متماسك..سار على نهجه من بعده أبناؤه الميامين الذين أكملوا المسيرة بوعي وفهم عميق لأهمية الموازنة بين الحداثة والجذور.
ليس من قبيل المبالغة القول إن حكام الإمارات يمثلون اليوم نموذجاً فريداً في القيادة..لم يكتفوا بتحقيق التنمية الاقتصادية والعمرانية بل حرصوا على الحفاظ على روح المكان على تاريخه على تفاصيله الصغيرة التي تشكّل مجمل الهوية الوطنية..هم لايرفعون فقط راية التقدم بل يحملون في القلب ذاكرة المكان ويحرصون على أن تبقى حية نابضة في عقول وقلوب الشعب.
حين نتأمل بدع أم سعود فنحن لاننظر إلى أطلال مهجورة بل نرى قصة شعب وقيادة آمنت أن الحاضر لايكتمل من دون احترام الماضي..ومن أرض سكنها الأجداد تنهض اليوم دولة تُلهم العالم، بقيادة تعرف تماماً معنى الوفاء للأصل والطموح للمستقبل.



