حكام الإمارات وحفيت الخالد

حكام الإمارات وحفيت الخالد

هناك في الجنوب الشرقي من مدينة العين، يقف جبل حفيت كأنه قصيدة من صخر تروي حكاية وطن لم يبدأ بالأبراج بل بدأ بالحكمة وبالإنسان، وبالانتماء.
هذا الجبل الذي يلامس السماء بقمته لايُعد مجرد تكوينٍ طبيعي، بل هو شاهد على أن الإمارات لم تولد من فراغ، بل من حضارة عميقة، ومن تاريخ لايُمحى.
جبل حفيت لايتحدث، لكنه يقول الكثير..في صمته، حكايات عن أناس عاشوا هنا قبل آلاف السنين، تركوا آثارهم في المدافن الحجرية، وفي الكهوف، وفي النقوش التي لاتزال تقاوم الزمن. كل حجر فيه يحمل ذاكرة، وكل منعطف في طرقاته يروي قصة عن حضارة سبقت العصر، وعن شعب عرف كيف يعيش وكيف يحلم، وكيف يترك بصمته في الأرض.
الإمارات، التي يراها العالم اليوم نموذجاً للحداثة، كانت منذ القدم أرضاً للعلم، وللتجارة، وللتواصل بين الحضارات..وجبل حفيت كان جزءاً من هذا المشهد، يطل على الواحات، ويراقب القوافل، ويحتضن الأسرار..لم يكن معزولاً عن الحياة، بل كان جزءاً منها، شاهداً على التحولات، وعلى الأمل، وعلى الصبر الذي صنع المجد.
لكن الجبل، رغم صلابته، لم يكن ليبقى حياً في ذاكرة الوطن لولا عناية الحكام الذين رأوا فيه أكثر من مجرد معلم..صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- لم يكن يمر بجبل حفيت مروراً عابراً، بل كان يراه كجزء من الهوية، وكأن الجبل يحمل في صخوره ملامح الوطن.
واليوم، يسير أبناؤه على ذات الطريق، يحفظون التراث، ويصونون التاريخ، ويمنحون الجبل حياة جديدة، عبر مشاريع تحترم روحه، وتحتفي بجماله.
حكام الإمارات لم يكتفوا بالبناء، بل بنوا على الأساس..لم ينسوا الماضي، بل جعلوه جزءاً من الحاضر، ومن المستقبل..هم من آمنوا بأن الحضارة لاتُقاس فقط بما يُشيّد بل بما يُحفظ، وبما يُروى، وبما يُحترم..هم من جعلوا من جبل حفيت رمزاً للثبات وللعمق، وللجمال الذي لايبهت.
المدافن التي تنتشر في سفوح الجبل، ليست مجرد آثار بل رسائل من الزمن، تقول إن الإنسان هنا كان يفكر، ويبدع، ويعيش بكرامة..والكهوف التي تخبئ أسراراً، ليست مجرد تجاويف، بل هي صفحات من كتاب لم يُغلق بعد وجبل حفيت بكل
مافيه هو مرآة لوطن يعرف كيف يحترم نفسه، وكيف يروي تاريخه دون تزييف، ودون مبالغة.
الإمارات التي تسابق الزمن، لاتنسى أن الزمن له جذور وجبل حفيت هو أحد تلك الجذور يربط الحاضر بالماضي ويمنح المستقبل معنى..هو ليس مجرد جبل، بل هو ذاكرة، وهوية، ودرس في الوفاء..وحكام الإمارات، الذين حفظوا هذا الجبل، لم يحفظوا صخوره فقط، بل حفظوا روح الوطن، وكرامة الإنسان، وعمق الحكاية.
جبل حفيت سيبقى واقفاً كما وقف منذ آلاف السنين، يراقب الشمس، ويحتضن الريح، ويهمس للتاريخ أن الإمارات لاتُبنى فقط بالحجر بل تُبنى بالحب وبالوفاء وبالقيادة التي تعرف قيمة الأرض وقيمة الإنسان، وقيمة الحكاية التي لاتنتهي.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *