خليفة في القلب ومحمد في القيادة
خليفة في القلب ومحمد في القيادة
حين يرحل الكبار لا يغيبوا عن الذاكرة بل يسكنونها.
وحين تنطفئ شمعة قائدٍ مثل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان لايسود الظلام، بل يضيء الحزن الطريق نحو التأمل، نحو الوفاء، نحو استحضار سيرة رجلٍ حمل الأمانة ومضى، تاركاً خلفه وطناً يشبه الجنة، وشعباً يلهج بالدعاء، وتاريخاً لايُنسى.
لم تكن وفاة الشيخ خليفة حدثاً عابراً بل كانت لحظة توقف فيها الزمن في قلوب الإماراتيين، لحظة انكسر فيها الصمت، وارتفعت فيها الدعوات، وتدفقت فيها الدموع من عيونٍ اعتادت أن ترى فيه الأب، والقائد، والسند..هو الذي حمل راية الاتحاد بعد زايد -طيب الله ثراه- ومضى بها نحو المجد، دون أن يتوقف، دون أن يتردد، دون أن يساوم على كرامة الوطن.
في عهده، تحوّلت الإمارات إلى لوحة من النور، إلى وطنٍ يزهر في كل زاوية، إلى حلمٍ تحقق على أرض الواقع..لم يكن البناء مجرد أبراج، بل كان بناء الإنسان، بناء الهوية، بناء المستقبل. كان الشيخ خليفة بن زايد -رحمه الله- يرى في كل مواطن مشروعاً للنجاح، وفي كل أرضٍ فرصة للخير، وفي كل لحظة مسؤولية يجب أن تُؤدى. وقد أدّاها، بكل صدق، بكل إخلاص، بكل حب.
الإمارات في عهده لم تكن دولةً عادية، بل كانت جنة الله في أرضه، وطناً يُحتذى به، يُشار إليه بالبنان، يُحترم في المحافل، ويُقدّر في القلوب..لم يكن ذلك صدفة، بل كان نتيجة قيادةٍ تعرف كيف تُنصت، كيف تُقرّر، كيف تُنقذ، كيف تُلهم..والشيخ خليفة -رحمه الله- كان تلك القيادة، ذلك القلب الكبير، ذلك العقل الحكيم، الذي لم يخذل شعبه يوماً ولم يتأخر عن نداء الوطن.
رحيله كان موجعاً لكنه لم يكن نهاية الحكاية..لأن الحكاية مستمرة، والراية انتقلت إلى يدٍ أمينة، إلى رجلٍ يعرف الوطن كما يعرف نفسه، إلى قائدٍ تربّى في مدرسة زايد، وسار جنباً إلى جنب مع خليفة، وتعلّم من كليهما كيف تكون القيادة مسؤولية لا تُؤجل، وكيف يكون الوطن أولًا، وأخيراً.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان -حفظه الله- الذي بايعه الشعب بقلوبهم قبل كلماتهم، هو الرجل المناسب في الزمن الصعب، هو الخبير الذي لاتغيب عنه التفاصيل، هو الأمين الذي لايساوم على الحق، ولايتردد في نصرة الخير..لم يكن ظهوره بعد رحيل خليفة مجرد انتقال للسلطة، بل كان استمراراً للنهج، للروح، للقيم، التي زرعها المؤسسون، وسقاها (خليفة) ويواصلها (محمد) بكل حكمة وثبات.
هو لايتحدث كثيراً لكنه حين يتحدث، يصمت الجميع..كلماته لاتُقال عبثاً بل تُقال حين يحين وقتها، وتُقال لتُبنى عليها قرارات، ومواقف، ومصائر..هو قائدٌ يعرف أن الوطن لايُدار بالشعارات، بل بالعمل، بالحب، بالعدل، بالثقة. والإمارات اليوم، في ظل قيادته، تمضي نحو المستقبل، لاتنظر خلفها لأنها تعرف أن من يقودها لايعرف إلا طريق المجد.
الشيخ خليفة بن زايد رحل لكن روحه باقية، في كل زاوية من هذا الوطن، في كل إنجاز، في كل دعاء، في كل قلب خليجي وعربي أحبّه..والشيخ محمد بن زايد يمضي على ذات الطريق، لايلتفت إلى الضجيج، بل يصغي إلى صوت الوطن، ويكتب فصولاً جديدة من الحكاية..حكاية الإمارات التي لاتنكسر، ولاتتراجع، ولاتنسى من بنى، ومن قدّم، ومن رحل وهو يؤدي الأمانة.



