زايد وحمدان قصة ولاء

زايد وحمدان قصة ولاء

في قلب الصحراء التي أنجبت القادة العظام، ووسط رمال العين التي شهدت ولادة الرجال الذين صنعوا مجد الإمارات، بزغ نجم الشيخ حمدان بن محمد بن خليفة آل نهيان -رحمه الله- رجلٌ لم يكن مجرد سياسي أو مسؤول، بل كان روحاً نابضة بالكرم، مغمورة بالتواضع، ومضيئة بالحكمة والدهاء.
لم يكن اسمه يُذكر إلا مقروناً بالمواقف النبيلة، ولم يكن حضوره في مجلس أو محفل إلا باعثاً للسكينة والاحترام.
ولد الشيخ حمدان في مدينة العين في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان الابن الأكبر للشيخ محمد بن خليفة آل نهيان..منذ نعومة أظفاره، ظهرت عليه ملامح القيادة، فكان فطناً حاضر الذهن، متقد الفكر، لايمر موقف إلا ويترك فيه بصمة من الحكمة والحنكة..تقلّد العديد من المناصب في حكومة أبوظبي والحكومة الاتحادية، وكان أول رئيس لدائرة الأشغال العامة، ثم وزيراً للصحة والإسكان والمعارف، قبل أن يُعيّن نائباً لرئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو منصب ظل يشغله حتى وفاته -رحمه الله- عام 1989.
لكن المناصب لم تكن يوماً ما تصنع الرجال، بل الرجال هم من يصنعون المجد من خلالها. والشيخ حمدان كان من أولئك الذين جعلوا من كل منصب مسؤولية، ومن كل مسؤولية خدمة، ومن كل خدمة حباً للوطن..كان كريماً في عطائه،
لايرد سائلاً ولا يتأخر عن محتاج، وكان تواضعه يسبق هيبته، فيجلس مع الكبير والصغير، ويستمع للناس وكأنهم أهله وأحباؤه.
أما دهاؤه، فكان حديث المجالس، إذ كان يعرف كيف يقرأ المواقف، ويزن الكلمات، ويتخذ القرار في اللحظة المناسبة..لم يكن متسرعاً ولم يكن متردداً بل كان متزناً يملك من الحكمة مايجعل الآخرين يلجأون إليه في الشدائد، ويستأنسون برأيه في الملمات.
وعلى صعيد العلاقة الشخصية، كان الشيخ حمدان نعم الأخ ونعم الرفيق لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- مؤسس دولة الإمارات وباني نهضتها..لم تكن علاقتهما مجرد صداقة أو قرابة، بل كانت شراكة في الحلم، وتوأمة في الرؤية، وتكاملاً في العمل..كان الشيخ زايد يرى في حمدان سنداً ويعتمد عليه في كثير من الأمور، وكان الشيخ حمدان يبادل الشيخ زايد حباً بحب، ووفاءً بوفاء، حتى أصبحا معاً نموذجاً فريداً في القيادة المتكاملة.
الشيخ زايد بن سطان آل نهيان الذي لايمكن الحديث عن الإمارات دون ذكره، كان رجلاً استثنائياً بكل المقاييس..جمع بين الحزم والرحمة، وبين القوة واللين، وبين الطموح والواقعية أحب شعبه بصدق، وبذل من أجله الغالي والنفيس وكان يؤمن بأن بناء الإنسان هو أساس بناء الوطن..وقد وجد في الشيخ حمدان شريكاً يؤمن بنفس المبادئ، ويسير على ذات النهج، فكانا معاً كجناحي طائر، يحلقان بالإمارات نحو المجد.
لقد ترك الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان -طيب الله ثراه- إرثاً لايُنسى، ليس فقط في المناصب التي شغلها، بل في القلوب التي أحبته، وفي الأثر الذي تركه في مسيرة الوطن..كان رجلاً من طراز نادر، لايُقاس بالعمر، بل يُقاس بالأثر، ولا يُذكر بالمنصب، بل يُذكر بالمواقف.
رحل الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان -رحمه الله- في أحد مستشفيات ألمانيا عام 1989 لكن ذكراه بقيت حيّة، تتردد في أروقة التاريخ، وتُروى في مجالس الكرام، وتُكتب في صفحات المجد..لقد كان من أولئك الذين لايموتون، لأنهم عاشوا في قلوب الناس، وخدموا وطنهم بصدق، ورافقوا القادة العظام في رحلة البناء، فاستحقوا أن يُخلّدوا في ذاكرة الوطن.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *