عرب كاست يكشف جوهر تركي الدخيل

عرب كاست يكشف جوهر تركي الدخيل

كان اللقاء الذي أجراه سعادة السفير السابق الاستاذ تركي الدخيل في بودكاست (عرب كاست) أشبه بفتح نافذة على رجل لايزال يحمل في داخله وهج البدايات رغم كل ما مر به من محطات وتجارب.
لم يكن مجرد حوار إعلامي، بل كان مساحة يتقاطع فيها الفكر مع التجربة، والهدوء مع العمق والذاكرة مع الحاضر.
بدا تركي الدخيل في ذلك اللقاء كما لو أنه يستعيد ملامح رحلته الطويلة..رحلة بدأت بالكلمة وانتهت بالدبلوماسية، لكنها لم تفقد في أي مرحلة روحها الأولى.
في حديثه، كان ينساب كمن يعرف الطريق جيداً لا يتعثر، ولا يتكلف، ولا يرفع صوته ليُسمع يكفي أن يتحدث حتى تشعر بأنك أمام رجل قرأ كثيراً واحتك بالعالم، وخرج من التجارب أكثر نضجاً واتزاناً..كان اللقاء مثرياً لأنه لم يكن استعراضاً، بل كان كشفاً هادئاً لشخصية تؤمن بأن المعرفة ليست زينة بل مسؤولية، وأن خدمة الوطن ليست شعاراً، بل ممارسة يومية تتجاوز المناصب والألقاب.
تركي الدخيل خدم وطنه وولاة أمره بإخلاص، سواء حين كان في الإعلام أو حين حمل حقيبة الدبلوماسية ومع ذلك، لم يسلم من أولئك الذين اعتادوا أن يقفوا على أطراف المشهد، يراقبون الناجحين لا ليحتفوا بهم، بل ليبحثوا عن ثغرة يمرّون منها.
منذ أن غادر وزارة الخارجية، ظهرت أصوات تحاول النيل منه، وكأن النجاح عبء لا يُغتفر، وكأن كل من يبرز في موقعه يصبح هدفاً لمن لايملك إلا النقد.
حتى المخالفة البسيطة في سوق الأسهم، التي لاتُقاس بها سيرة ولا تُهدم بها مسيرة، تحولت عند البعض إلى مادة للتشكيك..لم ينظروا إلى سنوات العمل، ولا إلى ما قدمه للوطن، بل توقفوا عند لحظة عابرة، وكأنهم وجدوا فيها ما يشبع رغبتهم في الهجوم.
واليوم بعد ظهوره في (عرب كاست) عاد المشهد ذاته..الأصوات نفسها، والوجوه ذاتها، والاتهامات التي لاتستند إلى منطق ولا إلى معرفة..بل إن بعضهم ذهب إلى حد التشكيك في وطنيته، وهو الذي حمل اسم بلده في المحافل الدولية، ووقف في مواقع لا يصلها إلا من نال ثقة القيادة.
ولعل المتنبي لامس هذه الحالة حين قال إن ذمّ الناقص شهادة للكامل..فالهجوم على تركي الدخيل ليس جديداً، ولن يكون الأخير..إنها الضريبة التي يدفعها كل ناجح، وكل من يملك حضوراً لا يمكن تجاوزه..الناس لا ترمي إلا الشجر المثمر، ولا تتربص إلا بمن يصنع فرقاً..أما الذين لا أثر لهم، فلا أحد يلتفت إليهم، ولا أحد يكلّف نفسه عناء نقدهم.
وقال المتنبي أيضاً إن (حساد النعمة أكثر من أصحابها) وكأن البيت كُتب لهذا الزمن..فتركي الدخيل لم يُهاجَم لأنه أخطأ، بل لأنه نجح..لم يُنتقد لأنه قصّر، بل لأنه برز..وهذه معادلة يعرفها كل من سار في طريق العمل العام:
كلما ارتفعت ازداد عدد الذين يحاولون شدّك إلى الأسفل.
ومع ذلك، فإن تركي الدخيل يمضي كما اعتاد أن يمضي..لا يدخل في سجالات، ولا يسمح للضجيج أن يربك خطواته..يعرف أن الزمن كفيل بفرز الأصوات، وأن الحقيقة لا تحتاج إلى صراخ كي تُسمع..يعرف أيضاً أن خدمة الوطن لا تتوقف بخروج من منصب، ولا تبدأ بدخول آخر، بل هي مسار طويل يترك فيه الإنسان أثراً، ويكمل طريقه.
لقد كان لقاء (عرب كاست) فرصة ليظهر تركي الدخيل كما هو: هادئاً..واثقاً..محباً لوطنه.. ومؤمناً بأن النجاح لا يُقاس بما يقوله الناس بل بما يتركه الإنسان خلفه.
أما الهجوم الذي يتعرض له اليوم، فهو ليس إلا جزءاً من الثمن الذي يدفعه كل من اختار أن يكون ناجحاً في زمن يزعج فيه النجاح كثيرين.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *