التوتر يعكر الحياة

التوتر يعكر الحياة

هو ظاهرة طبيعية وسياق طبيعي وضروري يؤمن التوازن النفسي..
وهو ايضاً المحرك الإيجابي الذي يدفع البعض الى المزيد من النجاح والتفوق..في حين هو عند آخرين مؤشر على شيء يؤذي النفس فينعكس امراضاً شتى على أجسامهم.. هذا ما جاء في كتاب ظهر عن التوتر بعنوان (التوتر هو الحياة نفسها) لمؤلفه الدكتور (سولي بن صابات) مدير مركز مكافحة التوتر بالمركز الطبي فرانسوا الأول بفرنسا. ويوضح الدكتور (سولي) فهمه العلمي لمصطلح التوتر فيقول: ان التعريف العلمي لكلمة توتر هو انه (عدة سياقات فسيولوجية تتيح الفرصة للإنسان لكي يكيف وظائف الجسم الحيوية مثل تكوين الدم او درجة حرارة الجسم وبالتالي فان التوتر ينظم حالتنا الصحية ) فالجسم البشري يحتاج الى محركات من الخارج حتى يكون له رد فعل لما يحيطه من ظواهر الحياة..الا ان للجسم حدوداً وقدرة على التحمل وبالتالي فان كان المحرك عنيفآ للغاية اومتكرراً فقد يعجز الجسم عن تقبله وهنا ينعكس التوتر بمفهومه العلمي في صورة مرض يصيب الجسم والنفسية.
كيف ينعكس التوتر على الإنسان؟
الإنسان قد يتعرض الى ثلاثة أنواع من الإثارة:
الإثارة الجسدية كتعرضه للضرب مثلاً او جرح او ألم او ملاطفة من أي نوع..
وإثارة نفسية وإنفعالية مثل الخوف وشعور عدم الرضا والفرح والحب والحنان..
واخيراً اثارة حسية كتعرض الإنسان الى الضوضاء والبرد اوعلى عكس ذلك رائحة عطر او موسيقى حالمة او جو من الهدوء وفي كل مرة ينعكس رد فعل جسمنا بنفس وسائل التكيف على مستوى المخ ويتبع نفس المسارات وينعكس رد فعل الجسم في صورة مجموعة من الإفرازات الهرمونية (الأدرينالين والكورتيزول) والتغيرات البيولوجية المسؤولة بدورها عن عدد من الظواهر الوظيفية او العضوية مثل إحمرار الوجه او شحوبه والعرق وإقشعرار وخفقان القلب..وفي الوقت نفسه فإن جسمنا يكون سكريات ودهون بكمية أكثر حتى يتمكن من توليد الطاقة الاضافية التي يحتاجها ليقاوم هذا الموقف الفريد من نوعه واليكم مثالاً واضحاً على ذلك لنقارن مثلاً مخنا ببنك مزود بنظام إنذار على إتصال بقسم الشرطة ومهما كان الأسلوب المتبع لإقتحام البنك فان جهاز الإنذار سيعمل وبالتالي فإن الشرطة ستتدخل وهذا التدخل مرادف لرد فعل الجسم البيولوجي وكلما كان الإعتداء الخارجي على الجسم مهماً كلما كان سياق رد الفعل البيولوجي والفسيولوجي في عملية التكيف قوياً وكانت نتائجه حساسة وهنا يصبح المرء معرضاً للخطر.
عموماً فإن عملية التكيف مع الإثارة الخارجية تتم على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة الإنذار التي يقابلها ردود فعل متباينة من جانب الأشخاص فالبعض يرفع صوته والبعض قد يبكي او ينهار او يحمر أو يشحب من شدة الإنفعال او يرتفع ضغط دمه أو يُصاب بالذعر والتوتر.
اما المرحلة الثانية هي مرحلة المقاومة: فالمرء يتعود على الإثارة ويحاول الجسم أن يعيد توازنه وهنا قد يُصاب المرء بإضطرابات قلبية او هضمية او جلدية او بإضطرابات تصيب المفاصل او جهاز المناعة مثلما يحدث في كثير من الأحيان في حالات الحزن على الوفاة او الطلاق والمرض الطويل وهذه الإضطرابات تتوقف اذا ماأختفى السبب المحرك.
اما في حالة إستمرار الإعتداء الخارجي على الجسم او الإثارة الخارجية فنحن نواجه المرحلة الثالثة مرحلة الإنهاك حيث تنهار مقاومة الجسم وتظهر أمراض خطيرة وهذا لحسن الحظ امر نادر والمرض يحدث عندما يكون التوتر عنيفاً جداً ومتواصلاً او عندما يعجز رد فعل المرء على التصدي للموقف.
ويؤكد الدكتور(سولي) أن هناك ثلاثة نماذج لأنماط نفسية مختلفة:
النمط الأول هو للشخص السهل الإثارة الشرس الذي يغضب بسهولة والمنفتح وكثيراً مايوصف هذا النمط من الأشخاص بأنه من النوع المندفع الطموح والذي يقهر العقبات التي تعيق سبيله وهو يعيش في حالة توتر دائم ولايذوق طعم الإسترخاء وكثيراً مايضحي بأسرته وبحياته العاطفية في سبيل تحقيق طموحاته العملية وافرازه الزائد عن حده للأدرينالين يعرضه بشدة الى الإصابة بذبحة صدرية وبإرتفاع ضغط الدم وبنزيف في المخ.
النمط الثاني من الأشخاص هو الذي يجسد القوة الهادئة وهو متوازن هادئ قادر على مواجهة التحديات ومسيطر تماماً على إنفعالاته وهو متفائل ولايكاد يعاني من التوتر وهذا النمط للأسف من ضمن أقلية قليلة.
اما النمط الثالث وهو الانطوائي أو الذي يبدو مظهره هادئاً في حين انه ليس كذلك فهو لايكف عن المعاناة من القلق وتوقع الكوارث قبل حدوثها وأمثال هذا الشخص تظهر ردود فعله مهما كانت عنيفة ورد فعله الوحيد على التوتر هو بإفراز (الكورتيكويد) وهو معرض الى إنخفاض مستوى جهاز المناعة في جسمه والى الإصابة بالإرهاق في غدده فوق الكظرية (التي تفرز هذا الكورتيكويد) الأمر الذي يعرض الشخص الى العدوى والارهاق والروماتيزم والإنهيار العصبي الا انه ليس هناك فرقاً واضحاً بين هذه الأنماط الثلاثة من الشخصيات حيث سنجد احياناً نمط منها يتصرف برد فعل النمط الثاني مثلاً شخص نشاطه زائد لايتعرض للمرض من جراء عنف التوتر الذي يصيبه في حين اننا قد نشاهد شخص هادئ يصاب بذبحة.
ويستأنف الطبيب قائلاً:
ان كل إنسان يحمل بداخله ميكروبات في رئتيه وحنجرته ومعدته وامعائه دون ان يُصاب بالمرض فالميكروبات لاتصبح ضارة الا عندما يضعف جهاز المناعة وكل شخص له رد فعل خاص به على اي توتر يصيبه رد فعل ناتج عن عوامله الوراثية وماضيه وتجاربه وحالته المعنوية..
اما القدر المثالي من التوتر الضرورية لإعطائنا دفعة ايجابية فهي تختلف من شخص إلى آخر فالبعض يبكي والبعض الآخر يظل جامداً ولذلك فان اهم نقطة تنحصر في معرفة الإنسان لمدى قدراته على تحمل الضغوط الخارجية.
اما عن مسألة إيجاد حبوب تعالج التوتر الضار فأعتقد انه لاتوجد مثل هذه الأقراص لأن المسألة مرتبطة بسياق كامل يرسل رسالة الى المخ تنعكس برد فعل ضغوط او ضيق وتسبب إفرازات هرمونية..بعض الأطباء يصف لمرضاه المتوترين حبوباً مهدئة لاتساعده الا على تخطي الأزمة وهناك تجارب حالية في انجلترا والولايات المتحدة لإنتاج مواد قادرة على منع إفرازات الأدرينالين او الكورتيكويد التي يفرزها التوتر الا ان هذه التجارب لم تتوصل بعد إلى نتائج فعالة كما ان لها آثار جانبية قد تكون ضارة.
ماهي افضل وسيلة لمحاربة التوتر الضار؟
هذه الوسيلة تعتمد على مبادىء بسيطة:
اولاً على كل إنسان دراسة نفسه جيداً لمعرفة مدى قدراته وردود فعله وإنفعالاته ثم استعراض أسباب التوتر الذي يصيبه ومصادرها..العمل او الأسرة أو اسباب اخرى ولذلك لا بد ان يكون الشخص صريحاً مع نفسه وان يقر بعيوبه ونقاط ضعفه..وعندما يتوصل الى معرفة أسباب التوتر فان الحل المثالي يقتضي منه إستبعادها وهذا أمر ليس سهلاً بالطبع ولذلك لابد أن يحاول الشخص الضغط على اعصابه والقبول بما يكرهه على طول الخط..
مثلاً الا يقبل دعوة على الغداء من اشخاص لايرتاح اليهم او اداء واجبات ليست اساسية بدافع المجاملة.
خلاصة الأمر..
أن الأنانية احياناً تنقذ صاحبها وكذلك من الأفضل ان يظهر الانسان إنفعالاته الفرح او الخوف او التوتر بدلاً من إخفائها حتى لايزيد شعوره بالضغوط.
ترى الى أي مدى يساهم النشاط الرياضي في علاج التوتر؟
المجهود الجسدي يصرف إنتباه المرء عن التوتر فالشخص الذي يحب او المريض مثلاً ينسى متاعبه المالية والحل المثالي هو أن يصرف الشخص إنتباهه إلى موضوع آخر للهروب من توتره وهنا تتحسن حالة القلب والشرايين وينخفض ضغط الدم كما تنخفض كمية إستهلاك عضلة القلب للأوكسجين في الوقت الذي تثبت فيه نسبة الكولسترول ونسبة إنتاج الهرمونات التي تهدىء الجسم وكل الممارسات الرياضية مفيدة شريطة أن يختار المرء رياضة تحلو له ومناسبة له او نشاط آخر مثل القراءة او الموسيقى والرسم او أي هواية تسعده أهم شيء أن يمارس الإنسان هواية تسعده
ماهو دور التغذية الجيدة في تنشيط مناعات الجسم؟
من المعروف ان المواد الكحولية والدخان والقهوة تزيد من مخاطر التوتر في حين ان تناول تغذية متوازية من الفيتامينات والمعادن تجعل الجسم أكثر قدرة للمقاومة والتغذية المثالية تتكون من نسبة 50% أو 60% الكربوهيدرات و 20 أو 25% من البروتين و15% أو 20% من الدهون..
اي أن الفطور لابد وان يتكون من حبوب كاملة وحليب بدون دسم او روب بدون دسم وخبز نخالة وقطعة زبده قليلة وثمرة فاكهة طازجة أو جافة..كما أن الوجبات لابد وأن تحتوي على سكريات مستخرجة من فواكه وعلى خضروات خضراء مطهوة على البخار ومضافاً اليها عصير الليمون او زبادي بدون دسم او حبة بطاطس او أرز ومعكرونة مرتين في الأسبوع إضافة الى 150 جرام بروتينات لحم او دجاج او سمك مشوي أو بيضتين مرة بالأسبوع مع تفادي الشاي والقهوة بحيث لايزيد عدد الفناجين منها في اليوم الواحد عن فنجان او فنجانين وينصح بتناول منقوع الأعشاب..وبالنسبة للأشخاص المفرطي السمنة يجب تقليل النشويات والدهون.
إنعكاسات التوتر..
والجدير بالذكر ان نتائج التوتر لاتقتصر على المجال المهني بل تنعكس على الجسم لأن زيادة إفرازات الأدرينالين والكورتيزول تتسبب في مضاعفة التوتر والقلق وذلك ينعكس على الجسم في صورة أمراض متنوعة تصيبه.. مثل إضطرابات تصيب النوم والشهية والنشاط الجنسي وصداع وآلام متفرقة بالبطن والمعدة وشعور بالإرهاق لأن النسبة المرتفعة من الكورتيزول التي يفرزها الجسم تضعف مناعاتنا وبالتالي فان التوتر قد يساهم بصورة غير مباشرة في ظهور الإصابة بالزكام او بالجلطة أو بإلتهاب القولون او بأمراض جلدية.
ولقد أتفق الأطباء حول مسألة عدم توفر علاج مباشر للتوتر فلاتوجد حبة قادرة على إزالة التوتر بل عدة نصائح او اساليب تساعد المرء على الحد من ردود فعل التوتر عليه.
وعموماً فاذا كان الأنسان قد تعرض بالفعل لموقف سبب توتراً فلابد من اللجوء الى العلاج الجسدي كالتدليك او ممارسة المشي السريع او محاولة الإسترخاء..اي ببساطة اللجوء الى تفريغ شحنة التوتر برفق..كذلك فان عنف تأثير التوتر اوإعتداله متوقف على حالة الشخص المعنوية وما اذا كانت مرتفعة ام لا.
وهناك نصيحة اخرى تحث الشخص على محاولة تبسيط الموقف بالتنفس بعمق ومحاولة ترتيب الأفكار للتخفيف من حدة التوتر وتفريغ شحنته بصورة إيجابية لاتضره وأحياناً قد ينعكس التوتر على الجسم بصورة تؤثر في القلب فتتسارع دقاته وتصبح غير منتظمة ومصاحبة بآلام وبإرتفاع في ضغط الدم وبتقلص في الشرايين التاجية..وهنا يجدر بالمريض إستشارة طبيب نفسي لأن حالته المرضية مرتبطة بعوارض نفسية ناتجة عن التوتر وبالتالي فان التغلب على التوتر سيؤدي الى إختفاء هذه العوارض الجسدية.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *