أنسنة المدن السعودية حين يصبح الإنسان محور التحول الحضري
أنسنة المدن السعودية حين يصبح الإنسان محور التحول الحضري

شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولاً جوهرياً في مفهوم المدينة..حيث لم تعد المدن مجرد تجمعات عمرانية تقليدية تؤدي وظائف أساسية، وإنما غدت فضاءات نابضة بالحياة، تضع الإنسان في صميم بنيتها وتستجيب لاحتياجاته النفسية والاجتماعية والثقافية.
إن هذا التغيير النوعي لم يكن وليد المصادفة، بل انبثق من رؤية طموحة يقودها سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي جعل من (أنسنة المدن) أحد المرتكزات الأساسية في مسار التطوير الحضري ضمن إطار رؤية المملكة 2030.
. ومفهوم أنسنة المدن ببساطة هو جعل الحواضر أماكن يشعر فيها الإنسان بالانتماء والراحة..حيث تنتشر المساحات الخضراء، وتُصمم الأرصفة لتشجيع ثقافة المشي، وتُراعى احتياجات الجميع بمختلف أعمارهم، من الطفولة إلى الشيخوخة..وقد بدأت هذه الفلسفة العمرانية الجديدة تتجلى عملياً في مشاريع نوعية مثل (الرياض الخضراء) و(جدة التاريخية) اللذين يُعاد من خلالهما رسم المشهد الحضري ليُصبح أكثر انسجاماً مع قيم الحياة الإنسانية والطبيعة المحيطة.
ولم يقف الأمير محمد بن سلمان عند حدود صياغة الرؤية وإعلانها، بل حرص على أن تتحول إلى ممارسة تنفيذية حية تشارك فيها مختلف الجهات..فقد تحولت الأمانات البلدية، التي كان يُنظر إليها سابقاً كمؤسسات خدمية تقليدية، إلى كيانات ديناميكية تتنافس في تقديم الأفضل. نلمس ذلك في مبادرات أمانة منطقة الرياض لتطوير الحدائق العامة وزيادة مساحات التنزه، وفي مشاريع أمانة المنطقة الشرقية التي أعلت من جودة الحياة عبر حلول البنية التحتية الذكية، وكذلك في جهود أمانة العاصمة المقدسة التي وازنت بين الحفاظ على الطابع الروحي لمكة المكرمة وتطوير مرافقها الحديثة بما يليق بمكانتها الاستثنائية.
ولا يمكن التغافل في هذا السياق عن الدور الفاعل لمعالي وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان الأستاذ ماجد الحقيل، الذي يتولى متابعة تنفيذ المشاريع بدقة متناهية، ويحرص على أن تكون كل خطوة منسجمة مع الأهداف الاستراتيجية للرؤية..وتحت إشرافه، أصبحت الوزارة أكثر قرباً من المواطن وشفافية في تعاملها، حيث أطلقت مبادرات متنوعة، ونظمت الورش التفاعلية، وتابعت مؤشرات الأداء بشكل دوري، في انعكاس واضح لالتزام عملي بتحقيق التنمية الحضرية المستدامة.
. إن ما تشهده المملكة من تحولات في بيئة مدنها يتجاوز مجرد تحسينات شكلية أو تطويرات عمرانية محدودة..إنه إعادة تعريف متكاملة للعلاقة بين الإنسان والمكان..فالمواطن اليوم لم يعد متلقياً سلبياً أو مجرد مستخدم لخدمات المدينة، بل أصبح شريكاً حقيقياً في صياغة المشهد الحضري، يعيش فيه، ويؤثر فيه، ويتفاعل معه بانتماء عميق. ومن هنا يتجلى النضج الحضري غير المسبوق الذي يضع المملكة في موقع الدول المتقدمة التي تُعلي من قيمة الإنسان وتضعه في قلب معادلة التنمية.
ومع استمرار هذا الحراك العمراني والإنساني، يبدو مستقبل المدن السعودية أكثر إشراقاً، إذ تتجه لتكون أكثر احتواءً للناس، وأكثر جمالاً في تفاصيلها، وأكثر قدرة على التعبير عن هوية الإنسان السعودي بكل ما يحمله من طموح رفيع، وثقافة عريقة، وارتباط راسخ بالأرض. إنها رحلة انطلقت برؤية ملهمة، وتُترجم اليوم إلى واقع محسوس، بفضل قيادة لاتعرف المستحيل، وجهود مخلصة، ومتابعة دقيقة لاتعرف التراخي.