ليسوا منّا

ليسوا منّا

في صباح الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، اهتز العالم على وقع حدث مأساوي ترك جرحاً غائراً في الذاكرة الإنسانية، حين اصطدمت طائرات مختطَفة ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وبمبنى البنتاغون في واشنطن، بينما سقطت طائرة رابعة في ولاية بنسلفانيا..لم تكن تلك الأحداث مجرد هجوم على منشآت أمريكية، بل كانت جريمة إرهابية بشعة استهدفت أرواحاً بريئة، وأطلقت موجة من الحزن والغضب اجتاحت كل أرجاء العالم.
لقد شكّل ذلك اليوم نقطة فاصلة في التاريخ الحديث، ليس فقط بعدد ضحاياه، بل بما تبعه من تداعيات سياسية وأمنية واجتماعية أثرت على مسار حياة الملايين عبر المعمورة.
والمؤلم حقاً أن يُربط هذا الفعل الإرهابي بالدين الإسلامي، وأن يُساء فهم تعاليم دينٍ يقوم جوهره على السلام والرحمة والتعايش.. فالإسلام لايُبيح القتل، ولايُشرّع الغدر، ولايُجيز الخيانة؛ بل يدعو إلى حفظ النفس البشرية وصون الكرامة الإنسانية واحترام الآخر مهما اختلف في دينه أو فكره أو عرقه..المسلم الحق لايَعتدي، ولايظلم، ولا يسفك الدماء، بل يسعى للخير ويكون مصدر أمان لمن حوله.
وقد أكد القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾، وهي آية بليغة تُبين بجلاء مدى حرمة الدم الإنساني في شريعة الإسلام، دون اعتبار لدين أو قومية أو جنس.
إن منفذي تلك الجريمة الشنيعة لايمكن أن يُنسبوا إلى الإسلام، ولا أن يُعدّوا ممثلين له على أي نحو..فالإسلام لم يشرع بقتل المخالف في الدين، بل دعا إلى الحوار والتسامح، وأقر حرية المعتقد، وحث على المعاملة الحسنة مع الجميع. والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهو القدوة الأولى للمسلمين، عاش في بيئة متعددة الأديان، وتعامل مع غير المسلمين بالعدل والإحسان، ولم يُكره أحداً على اعتناق الإسلام..بل كان يتعامل بالحكمة والموعظة الحسنة، ويُظهر الأخلاق الرفيعة في علاقاته حتى مع خصومه، مما يجعل ادعاء الإرهابيين أنهم يمثلون الإسلام باطلاً وزائفاً.
إن محاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام ليست إلا ظلماً عظيماً، وغذاءً لخطاب الكراهية والانقسام، وتشويهاً لصورة ملايين المسلمين الذين يعيشون في سلام، ويُدينون العنف بجميع أشكاله، ويساهمون بإخلاص في بناء مجتمعاتهم. ومن المهم أن ندرك أن من يتخذ من الدين واجهة لتبرير أفعال سياسية أو أيديولوجية لايُمثل إلا نفسه، فليس كل من انتسب إلى الإسلام يُجسّد قيمه الحقيقية، وليس كل من نطق بالشهادتين عاش بروح الإسلام الجامعة للرحمة والعظمة الأخلاقية.
لقد كان المسلمون أنفسهم من أكثر الفئات المتضررة من تبعات تلك الهجمات، ليس فقط من خلال الاتهامات الجائرة التي وُجهت إليهم، بل أيضاً عبر القيود الأمنية المشددة، والممارسات التمييزية، والشكوك التي طالت الكثير منهم في دول متعددة ومع ذلك، ظلوا متمسكين بقيم دينهم، مظهرين أخلاقهم، مثبتين يوماً بعد يوم أن الإسلام بريء من الإرهاب، وأنهم جزء من بناء الحلول لامن أصل الأزمة.
إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر يجب أن تُذكر دوماً على أنها جريمة ضد الإنسانية جمعاء، لاضد دولة بعينها..ومن المهم إعادة النظر في الخطاب الإعلامي والسياسي الذي يُغذي الأحكام النمطية ويُعمّق الفجوة بين الشعوب. فالحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح: الإرهاب لادين له، ولاوطن له، ولايُمثل إلا من اختار درب الظلام والدمار.
أما الإسلام فهو نور، ورحمة، وهداية للعالمين، ولايجوز أن يُشوَّه بسبب أفعال لاتمت لقيمه بصلة.
ختاماً أحب أن اقول :
يجب أن تظل مسؤوليتنا جميعاً أن ندافع عن الحقيقة، وأن نصحح المفاهيم، ونُظهر للعالم أن الإسلام دين السلام والمحبة، وأن نكرم أرواح الضحايا الأبرياء بالعمل لأجل عالم أكثر عدلاً وتسامحاً، بعيداً عن التطرف والكراهية، عالم يسوده الاعتراف بالإنسانية المشتركة التي تجمع البشر كافة.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *