حين يُختطف الدين سياسياً

حين يُختطف الدين سياسياً

من أخطر ما تواجهه أجيال الأمة اليوم هو ذلك التيار المتحزب الذي يختبئ خلف شعارات دينية براقـة، ويُسمّيه البعض خطأً بـ(الصحوة) رغم أن ما يقدمه لايمت إلى الصحوة الحقيقية بصلة.
فهؤلاء ليسوا دعاة دين بالمعنى الأصيل، بل سياسيون يبحثون عن النفوذ والسلطة،ولاتعنيهم مقاصد الشريعة أو جوهرها بقدر ماتعنيهم مكاسبهم الحزبية..يستخدمون النصوص الدينية كأدوات دعائية لتمرير أهدافهم، حتى لو تعارضت مع أحكام شرعية صريحة وقاطعة.
لقد أفسدوا على الناس دينهم حين جعلوه تابعاً لمواقفهم السياسية، لامعياراً للحق والعدل. صار الدين في خطابهم وسيلة للتصنيف والفرز.. من يوافقهم يعدونه (مؤمناً) ومن يخالفهم يصنفونه (ضالاً) أو (منافقاً) وكأنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار..هذا التوظيف الخطير للدين لا يُفسد فقط الوعي العام، بل يُنتج حالة من الانقسام والتشكيك، ويزرع الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد.
أما الدنيا، فقد أفسدوها أيضاً حين أشغلوا الناس بالصراعات الفكرية والحزبية، وأبعدوهم عن البناء والتطوير..خطابهم لايحفّز على العمل والإنتاج، بل على الريبة والتوجس والانتظار..
لايملكون مشروعاً حضارياً حقيقياً ينهض بالأمة، بل يملكون قائمة طويلة لاتنتهي من الخصومات والاتهامات، يوزعونها بسخاء على كل من لاينتمي إليهم أو لايردد شعاراتهم.
إن الجيل الجديد بحاجة إلى من يرشده إلى الدين الصحيح، لا إلى من يزجّ به في معارك سياسية باسم الدين..بحاجة إلى من يفتح أمامه آفاق العلم والعمل والمعرفة، لا إلى من يغلق عليه الأفق ويغذيه بالخوف والشك..هؤلاء المتحزبون لايصنعون جيلاً واعياً ومسؤولاً، بل يربّون أتباعاً يرددون ما يُقال لهم دون تفكير، ويعادون من يُطلب منهم معاداته دون وعي أو إدراك.
إن الدين الإسلامي أسمى من أن يُختزل في شعارات حزبية، وأعمق من أن يُستخدم كأداة للفرز السياسي أو مطيّة لأهداف سلطوية. هو دين الرحمة والعدل، لادين التحريض والانقسام..ومن يحاول أن يختطفه ليجعله وسيلة لأهدافه الخاصة، لايخدم الدين، بل يسيء إليه ويضلل الناس ويقودهم نحو طريق مظلم لايفضي إلا إلى الفرقة والفتنة.
والمجتمعات التي تنهض حقاً هي تلك التي تفصل بين الدين كمنهج حياة شامل يقود إلى الأخلاق والعدل والرحمة، وبين التوظيف السياسي الضيق الذي يحول الدين إلى شعار حزبي..هي المجتمعات التي تربي أبناءها على الفهم العميق والوعي المستنير، لاعلى التبعية العمياء.
أما المجتمعات التي تسمح لهؤلاء المتحزبين بالتمدد، فإنها تفتح أبواباً يصعب إغلاقها، وتدفع أثماناً باهظة من أمنها واستقرارها ووعيها.
إن مسؤوليتنا اليوم مسؤولية كبرى أن نحمي الدين من التسييس، وأن نصون الأجيال من التضليل، وأن نعيد للدين مكانته الصحيحة في حياة الناس.. مكانة الهداية والبناء، لامكانة الشعارات والمصالح الحزبية الضيقة.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *