الوفاء الخليجي لايُهزم
الوفاء الخليجي لايُهزم

لم تكن الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الخليج العربي مجرد أزمة عابرة، بل كانت اختباراً حقيقياً لوحدة الشعوب والحكومات الخليجية..وقد برهنت هذه المحنة بما لايدع مجالاً للشك أن مصيرنا واحد، وأننا كخليجيين نقف صفاً واحداً في مواجهة أي تهديد يمس أمننا واستقرارنا..فالهجوم الإسرائيلي على قطر لم يكن موجهاً لدولة بعينها، بل كان استهدافاً لروح الخليج العربي ولنسيجنا المشترك الذي يستحيل تمزيقه أو فصله، مهما حاولت قوى الخارج وأدواتها.
لقد كشفت الأحداث عن عمق الروابط التي تجمع شعوب الخليج، وأوضحت أن أمن الدوحة لاينفصل عن أمن الرياض، وأن مايمس الكويت يمس أبوظبي، وأن البحرين وعُمان ليستا بمعزل عن أي خطر يهدد أحد أشقائهما. فقد رأينا كيف تحركت القلوب قبل أن تصدر البيانات، وكيف توحدت الأصوات الشعبية قبل أن تُعلن المواقف الرسمية، في مشهد ملهم يعكس أن شعوب الخليج العربي تدرك اليوم أن التهديدات لاتعرف حدوداً مرسومة على الخرائط، وأن الخطر حين يقترب من بيت واحد، تهب جميع بيوت الحي للدفاع عن جيرتها.
واللافت في هذه الأزمة لم يكن فقط التلاحم الشعبي، بل أيضاً الموقف الرسمي الحكيم الذي جسد قيم الوفاء والمسؤولية..فقد أثبتت الحكومات الخليجية أنها ليست مجرد إدارات سياسية تدير شؤوناً يومية، بل قيادات تحمل هموم شعوبها وتذود عن كرامتها..لم تتأخر أي دولة عن إعلان تضامنها، ولم تتراجع أي عاصمة عن التمسك بموقف واضح وصريح أن أمن الخليج العربي خط أحمر لايمكن تجاوزه أو التساهل فيه..هذا الموقف الموحد لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لتاريخ طويل من التعاون والتكامل، وإدراك متجذر بأن قوة الخليج الحقيقية تكمن في وحدته.
وقد أكدت هذه الأحداث أيضاً أن الخليج العربي ليس مجرد تجمع لدول متجاورة، بل هو عائلة واحدة تتشارك المصير والهموم والطموحات..فعندما تهتز الدوحة، يشعر بها أهل جدة ومسقط والمنامة، وعندما تُستهدف قطر، تتحرك أبوظبي والكويت والرياض بكل ما أوتيت من إمكانيات ومواقف.
أن هذا التلاحم لم يكن شعارات تُرفع في مؤتمرات رسمية، بل كان واقعاً حيّاً تجسد في المواقف الصادقة، وردود الفعل الشعبية، وفي نبض الشارع الخليجي الذي عبّر عن غضبه ورفضه، واستعداده للوقوف إلى جانب قطر بكل ما أوتي من قوة.
ماجرى ينبغي أن يكون درساً فاصلاً لكل من يحاول أن يلعب على وتر الفرقة أو يزرع الفتنة بين دول الخليج العربي..فقد أثبتت الأزمة أن الشعوب الخليجية أكثر وعياً مما يُتصور، وأن الحكومات الخليجية أكثر إخلاصاً مما يُظن، وأن الكيان الخليجي أبعد ما يكون عن الهشاشة التي يروج لها البعض..إنه كيان صلب، متماسك، محصن بروح الانتماء والوفاء.
وفي الختام.
تبقى الحقيقة جلية لا لبس فيها الخليج العربي جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..وما حدث في قطر لم يكن إلا دليلاً جديداً على أن أمن الخليج العربي كلٌ لا يتجزأ، وأننا (شعوباً وحكومات) سنظل دائماً على قلب رجل واحد.