السعودية قوة ناعمة عالمية
السعودية قوة ناعمة عالمية

منذ أن شرعت المملكة العربية السعودية في رسم ملامح رؤيتها الطموحة، أخذت تتبلور أمام العالم ملامح قوة ناعمة لافتة، جعلتها اليوم واحدة من أبرز الدول التي توظف هذا النوع من القوة بذكاء وفعالية..فلم تعد المملكة تُختزل في ثرواتها النفطية أو موقعها الجغرافي الاستراتيجي، بل أضحت وجهة عالمية تستقطب الأنظار بماتملكه من مقومات ثقافية، وروحية، وإنسانية، واقتصادية، جعلتها مركزاً مؤثراً في محيطها الإقليمي والدولي.
إن القوة الناعمة لاتُقاس بما يُفرض بالقوة، بل بما يُلهم العقول والقلوب..وهنا تتجلى عظمة المملكة التي باتت تُلهم العالم من خلال نموذج متفرد يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الجذور العريقة والانفتاح المدروس.
فمن أرض الحرمين الشريفين، تنبثق رسالة روحية تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، وتستقر في قلوب مئات الملايين من المسلمين. هذه المكانة الدينية لم تكن مجرد امتياز ديني، بل هي مصدر قوة معنوية ناعمة تتجسد في الاحترام العالمي والتقدير الكبير لدور المملكة في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية الحجاج والمعتمرين من شتى بقاع الأرض.
ومع ذلك، فإن القوة الناعمة السعودية لم تقف عند حدود الدين، بل امتدت إلى مجالات الثقافة والفنون والترفيه..من خلال فعالياتها الكبرى، مثل موسم الرياض وموسم جدة، نجحت المملكة في أن تفتح نوافذ جديدة للتفاعل الثقافي، مقدمة صورة عصرية عن المجتمع السعودي مجتمع نابض بالحياة، مبدع، يحتفي بالتنوع..لم تكن هذه الفعاليات مجرد عروض ترفيهية فقط بل رسائل حضارية متقنة تؤكد قدرة السعودية على صناعة الفرح، وإقامة جسور التواصل مع الشعوب والثقافات الأخرى.
وفي ميدان الإعلام، برزت المملكة كصوت مسموع له أثر واسع، عبر منصات إعلامية مؤثرة قادرة على أن تنقل رؤيتها ورسائلها إلى الخارج بعمق ورصانة..الإعلام السعودي لم يعد محلياً أو إقليمياً فحسب، بل أصبح عنصراً فاعلاً ضمن المشهد الدولي، مشاركاً في تشكيل الرأي العام العالمي، ومعكساً لصورة المجتمع السعودي الذي يعيش تحولات نوعية.
أما في جانب الاقتصاد، فإن التحولات الكبرى الجارية في المملكة باتت علامات بارزة للقوة الناعمة..فالمشاريع العملاقة مثل نيوم، والقدية، والبحر الأحمر، لم تُبنَ لمجرد البنية التحتية، وإنما لرسم المستقبل، وتجسيد الطموح، وإرسال رسالة إلى العالم أن السعودية ليست بلد النفط وحده، بل هي بلد الابتكار، والإبداع، والاستدامة. إنها مشاريع تترجم رؤية المملكة في أن تكون مركزاً عالمياً للمعرفة، والسياحة، والتقنية، والاستثمار.
ولعل أعظم مصادر هذه القوة يكمن في الكوادر البشرية السعودية..فالشباب السعودي اليوم أكثر تعليماً، وأوسع أفقاً، وأكثر حضوراً في ميادين الريادة وصناعة القرار..هذه الطاقة المتجددة تمثل رصيد المملكة الأقوى، لأنها تجسد صورة وطن حي نابض، يملك القدرة على التأثير والإلهام من خلال أبنائه وبناته.
وهكذا، فإن المملكة العربية السعودية في حاضرها لم تعد مكتفية بالوجود فقط في المشهد الدولي، بل باتت صاحبة أثر وتأثير، تشارك في صياغة المستقبل عبر قوة ناعمة تستمدها من روحها، وثقافتها، وإنسانها، وطموحاتها..لقد أصبحت قبلة للعالم لابما تملكه من ثروات مادية وحسب، وإنما بما تقدمه من قيم راسخة ورؤى مستقبلية مشرقة.