سلمان العودة بين النقاب والسيقان

سلمان العودة بين النقاب والسيقان

سلمان العودة، الاسم الذي ارتبط طويلاً في أذهان الكثيرين بالوعظ والخطاب الديني، تحوّل مع مرور الزمن إلى حالة من التناقض الفاضح الذي لايمكن تجاوزه أو تبريره. فالرجل الذي كان يعتلي المنابر محذراً من فتنة العيون، ورافضاً لاختلاط الجنسين، ومحرّماً لابتعاث الشباب والشابات إلى الخارج، هو ذاته الذي ظهر لاحقاً في صورة مغايرة تماماً، داعياً للانفتاح، ومنظّراً لـ (نهضة مزعومة) يقودها خليط من الشخصيات التي لطالما هاجمها من قبل.
كان العودة يصف مجرد السماح للمرأة السعودية بإظهار عينيها خارج النقاب بـ(الفتنة العظيمة) ويهاجم الدولة لهذه الخطوة، زاعماً أنها تهدد الدين وتخالف الشريعة..وكان يحرّم الابتعاث، ويعتبره باباً للفساد والانحلال، محذراً من إرسال الشباب والفتيات إلى الخارج، بحجة أنهم سيعودون محمّلين بالأفكار الدخيلة والسلوكيات الغريبة..يومها كان خطابه يبدو شديد الصرامة، يُقدّم على أنه غيرة على الدين وحرص على المجتمع وتمسك بالثوابت.
لكن سرعان ما انقلبت الصورة رأساً على عقب. فجأة قرر العودة أن (مصلحة الجماعة) كما يزعم تتطلب الاستعانة بأشخاص مناوئين لمواقفه السابقة مثل عزمي بشارة، عضو الكنيست الإسرائيلي سابقاً، إلى جانب شخصيات مثل نوال الشمري، التي تصرح بمواقفها التحررية، بالإضافة إلى عناصر من الشيعة والملحدين، ليشاركوا في ما وصفه بمشروع (جيل النهضة) وهكذا، غدا الاختلاط في الفنادق مألوفاً، والوجوه المكشوفة والسيقان الظاهرة مشهداً عادياً في لقاءاته، دون أن يعترض أو ينبس ببنت شفة.
هذا التحوّل لم يكن اجتهاداً شخصياً بريئاً، بل انقلاباً جذرياً على كل ما بناه من خطاب سابق. فمن كان يهاجم الدولة ويتهمها بمحاربة الدين، أصبح يجلس ويحتفي بمن كان ينعتهم بالكفر، مانحاً إياهم مساحة قيادية في مشروعه الفكري الجديد..ومن كان يحذّر الناس من النظر إلى المرأة، أصبح هو نفسه يتحدث عن تمكينها، ويشارك في فعاليات مختلطة ويصفها بأنها أحد مفاتيح النهضة.
والأغرب أن أتباعه لايرون في هذه التناقضات مشكلة..بل ما زالوا يصفونه بـ(العالم التقي النقي) الذي لايخشى في الله لومة لائم، ويتباكون على سجنه وكأنه (شهيد الكلمة) ويرددون أنه سُجن من أجل (لا إله إلا الله) متجاهلين كل الانقلابات الفكرية التي مرّ بها، وكل التحالفات المشبوهة التي عقدها..لايسألون عن أسباب هذا التحول، ولايراجعون خطاباته، بل يبررون له كل تغيير، ويعيدون صياغة رواياته بما يتوافق مع الصورة التي يريدون تصديرها.
لكن الحقيقة لاتُحجب بالشعارات، ولاتُغيَّب بالهتافات..سلمان العودة لم يُسجن لأنه قال (لا إله إلا الله) بل لأنه خان الوطن وخدم أجندات مشبوهة تهدد أمنه واستقراره. فمن حرّم الابتعاث ثم هلّل لأفكار عزمي بشارة، ومن هاجم الدولة ثم تحالف مع خصومها في الخارج، لايمكن وصفه بالثبات أو الاتساق، بل بالتناقض والانتهازية.
أما المملكة العربية السعودية، فقد تجاوزت مثل هذه المزايدات، ولم تعد تُعير اهتماماً لمن يرفع شعارات متقلّبة لايعرف أصحابها معنى الوطنية ولامعنى الثبات على المبادئ..المملكة اليوم تسير بخطى واثقة لبناء مستقبلها على أسس راسخة، لاعلى خطب هشة ولاعلى شعارات براقة.
وسيظل من اختار طريق التناقض يتخبط بين المواقف، يبحث لنفسه عن مبررات لايقتنع بها إلا من قرر أن يُغمض عينيه عن الحقيقة.
أما الحقيقة ذاتها، فلن يهزمها الكلام ولا يخفيها التبرير.. إنها واضحة جلية، تنطق لمن أراد أن يراها بصدق، لا لمن يختبئ خلف الشعارات.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *