مات شيطان الضاحية
مات شيطان الضاحية

لم يكن خبر مقتل حسن نصر الله، زعيم ميليشيا حزب الله، حدثاً عابراً في المشهد السياسي للمنطقة، بل لحظة فاصلة كشفت الكثير من التناقضات التي أحاطت بشخصيته ومسيرته. الرجل الذي طالما شغل المنابر بخطاباته المليئة بالوعيد والتهديد ضد إسرائيل، انتهى قتيلاً بعد عقود من رفع الشعارات الرنانة دون أن يترجمها إلى مواجهة حقيقية معها، فيما كانت رصاصاته وصواريخه تُصوَّب في صدور المسلمين بلبنان وسوريا والعراق.
صحيح أن نصر الله نجح في أن يبني لنفسه هالة مصطنعة من القداسة داخل بيئته الحزبية والطائفية، لكنه لم يكن يوماً زعيماً وطنياً جامعاً. لقد كان العنوان الأوضح للطائفية والانقسام. خطبه لم تكن إلا تحريضاً متواصلاً، وانتقاء خصومه لم يكن مبنياً على مواقف سياسية، بل على انتماءات طائفية وعلى مدى توافقهم مع المشروع الإيراني في المنطقة..ومع مرور السنوات، لم يعد سوى أداة في يد الحرس الثوري الإيراني، ينفذ أوامر طهران بحذافيرها، حتى لو تعارضت مع مصلحة وطنه وشعبه.
مافعله نصر الله في سوريا وحدها يكفي لتسطير مجلدات من الجرائم..فقد قُتل مئات الآلاف، وسُويت مدن كاملة بالأرض، تحت شعار الدفاع عن (محور المقاومة) لكنه لم يكن يقاوم إسرائيل هناك، بل قاتل شعباً أعزل طالب بحريته وكرامته وشارك بفاعلية في إطالة عمر نظام بشار الأسد، وساهم في تحويل الثورة السورية إلى حرب طائفية إقليمية قذرة، عمّقت الانقسام ورسخت الدمار.
أما في العراق، فكان حزبه جزءاً أصيلاً من معادلة الدم، داعماً للميليشيات الطائفية التي ارتكبت أبشع الانتهاكات بحق المدنيين تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
ولم تكن المملكة العربية السعودية ولا دول الخليج العربي بمنأى عن عدائه المعلن. إذ لم يوفر مناسبة إلا وهاجم فيها الخليج والسعودية على وجه الخصوص، متهماً إياها زوراً بخدمة إسرائيل والولايات المتحدة، بينما كان هو نفسه يستقوي بطهران ويتلقى أوامره ودعمه وتمويله منها..كانت حملاته ضد المملكة مجرد ستار ليخفي ولاءه الكامل للمشروع الإيراني، الذي وظّفه لخدمة أجنداته على حساب استقرار المنطقة.
الذين خدعهم نصر الله طويلاً بشعارات (المقاومة) استيقظوا على حقيقتـه بعد مقتله..لم يكن أكثر من مهرج سياسي، يُستعمل كأداة عند الحاجة ثم يُلقى جانباً عند انتهاء وظيفته..وانتهت رحلته كما بدأت.. ضجيج بلا طحين، خطابات بلا فعل، وشعارات بلا نتائج..حتى موته لم يكن في ساحة مواجهة مع العدو الذي ادّعى مقارعته عقوداً، بل في صراع داخلي يعكس عمق الفوضى التي كان شريكاً رئيسياً في صناعتها.
مات نصر الله، لكن آثاره الكارثية باقية.. بلد ممزق على شفير الانهيار، وطائفة مُثقلة بعبء الدماء والتبعية، ومشروع خبيث سقط في كل الساحات.
سيُكتب تاريخه لاكرمز للمقاومة كما رُوّج، بل كعنوان للطائفية والانقسام، ولارتهان القرار الوطني لمصالح خارجية، ولثقافة القتل والخداع السياسي المتقنع بلبوس الدين.