الإخوان…منابر الدين أم مصانع التطرف؟
الإخوان...منابر الدين أم مصانع التطرف؟

مع مطلع القرن العشرين، شهدت المنطقة العربية تحولات فكرية وسياسية عميقة، كان من أبرزها بروز تيارات دينية ذات طابع سياسي سعت إلى إعادة تشكيل المجتمعات وفق رؤى أيديولوجية مغلقة..في قلب هذا المشهد، برز حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين كشخصية مثيرة للجدل، ليس بسبب دعوته للإصلاح كما زعم، بل لما حملته أفكاره من بذور العنف والتطرف التي أثرت على أجيال لاحقة وأدخلت المنطقة في دوامة من الصراعات الفكرية والسياسية.
لم يكن البنا مجرد داعية ديني يسعى لتهذيب النفوس، بل كان منظراً لحركة ذات طموحات سياسية واضحة، استغلت الدين كوسيلة لتبرير أهدافها.
منذ تأسيس الجماعة عام 1928، بنى منظومة فكرية تمزج بين العقيدة والعمل السياسي، تضفي على العنف طابعاً شرعياً تحت مسمى (الجهاد) كان هذا التوظيف للدين مدروساً بعناية لتجنيد الأتباع وتحقيق الهيمنة، مستخدماً شعارات دينية جذابة تخفي وراءها مشروعاً سلطوياً.
ما يجعل إرث البنا خطيراً ليس فقط ما كتبه أو نظّر له، بل ما زرعه في عقول أتباعه من قناعات راسخة بأن التغيير لايتحقق إلا بالقوة، وأن من يخالفهم هو عدو يجب التخلص منه.
تحولت هذه الفكرة لاحقاً إلى ممارسات عنيفة، تبنتها الجماعة في مراحل عدة من تاريخها، بدءاً من الاغتيالات السياسية وصولاً إلى التحالف مع جماعات مسلحة داخلية وخارجية..العنف لم يكن طارئاً على فكر الإخوان، بل جزءاً من بنيتهم التنظيمية، مما يجعل البنا في نظر كثيرين أحد أبرز من شرعن الإرهاب في العصر الحديث.
ورغم مرور عقود على رحيله، لا تزال أفكار البنا تُدرّس داخل الجماعة وتُعتبر مرجعية لايُسمح بمناقشتها أو نقدها..هذا الولاء المطلق لفكر المؤسس يعكس طبيعة الجماعة المغلقة التي ترفض المراجعة أو التطوير، وتتمسك بنصوص جامدة تُستخدم لتبرير مواقفها العدائية تجاه الدولة والمجتمع..حتى حادثة اغتياله، التي ظلت غامضة، تُستخدم كأداة دعائية حيث يُصوّر كـ(شهيد) دون محاولة جادة لكشف ملابسات مقتله أو تحديد المسؤولين عنه، وكأن الغموض يخدم سرديتهم أكثر من الحقيقة.
من المؤسف أن هذا الفكر، الذي بدأ في مصر، امتد إلى دول أخرى، ووجد بيئة خصبة في مجتمعات تعاني من الفقر والتهميش، حيث يُقدم كحل سحري لكل الأزمات. لكن الواقع أثبت أن هذا النموذج لايجلب سوى المزيد من الانقسام والعنف، ويسهم في تشويه صورة الإسلام، الذي هو في جوهره دين رحمة وتسامح. وقد ساهمت أفكار البنا في خلق حالة من (الإسلاموفوبيا) في الغرب، حيث يُنظر إلى المسلمين عبر عدسة الجماعات المتطرفة، متجاهلين تاريخاً طويلاً من التعايش والاعتدال.
لا يمكن فصل إرث حسن البنا عن الواقع الذي نعيشه اليوم، إذ تستند الكثير من الحركات التي تتبنى العنف باسم الدين إلى أفكاره وتعتبره مرشداً روحياً..هذا التأثير العابر للزمن يكشف حجم الخطورة التي تمثلها الأيديولوجيات المغلقة التي تقدم نفسها كحاملة للحقيقة المطلقة وترفض الحوار والتعددية.
في ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري إعادة النظر في هذا الإرث، ليس من باب النقد فقط، بل لحماية المجتمعات من الانزلاق نحو التطرف.
مواجهة فكر البنا لاتقتصر على إدانة العنف، بل تتطلب كشف الأسس الفكرية التي بُني عليها، وتفكيك الخطاب الذي يضفي على الإرهاب شرعية دينية..المعركة الحقيقية ليست ضد جماعة ارهابية بعينها، بل ضد منظومة فكرية تسعى لاختطاف الدين وتوظيفه في خدمة مصالح سياسية ضيقة..وهذه المعركة لا تُخاض إلا بالعقل والفكر، وإحياء قيم الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى السلام والعدل والرحمة.