القهوة ليست إثيوبية..إنها سعودية النكهة والمنشأ

القهوة ليست إثيوبية..إنها سعودية النكهة والمنشأ

في قلب الجزيرة العربية، حيث تزخر الأرض بعبق التاريخ وتنبض القلوب بإرث الأجداد، نشأت حكاية القهوة السعودية التي لاتُعد مجرد مشروب فحسب، بل رمزاً متجذراً في الهوية، ومرآة تعكس قيم الكرم والضيافة والرجولة..لم تكن القهوة صدفة عابرة في مسار الزمن، بل ثمرة وعي ثقافي عميق، ونتاج تفاعل الإنسان السعودي مع الطبيعة، فاختار المرتفعات الجبلية في الباحة وعسير وجازان لتكون مهداً لزراعة البن، وكأن الجغرافيا تآمرت لتمنح هذا الشعب كنزاً يليق بعراقته.
قولنا إن القهوة اكتُشفت في أرض العرب ليس ادعاءً، بل إعادة قراءة للتاريخ من منظور أكثر إنصافاً..الرجل الذي حمل بذورها من الحبشة إلى اليمن ثم إلى قلب الجزيرة لم يكن ناقلاً فقط، بل حاملاً لفكرة ومؤسساً لعادة تحولت لاحقاً إلى طقس اجتماعي وثقافي..وهنا يمكننا أن نعيد تعريف الاكتشاف ليس كلحظة عثور، بل كفعل ثقافي يتجلى في التبني والتطوير والتقديس، وهذا ما فعله السعوديون بالقهوة.
لم تقتصر القهوة السعودية على كونها مشروباً صباحياً، بل تحولت إلى لغة غير منطوقة تعبّر بها التحايا، وتُعقد بها المجالس، وتُحل بها النزاعات. في كل رشفة تنساب حكايات الأجداد، وتُستحضر مآثر الفرسان، وتُروى قصص الكرم التي
لاتنتهي..حتى طريقة تقديمها، من ترتيب الفناجين إلى اختيار التوابل، تحمل فلسفة خاصة لايفهمها إلا من عاش تفاصيلها وتذوق طعمها تحت ظل نخلة أو عند سفح جبل.
ما يميز القهوة السعودية ليس فقط نكهتها الفريدة، بل قدرتها على التكيف مع الزمن دون فقدان جوهرها.
اليوم تُقدم في أفخم الفنادق كما تُصب في أبسط البيوت، وتُحتفى بها في المهرجانات كما تُتداول في المجالس اليومية..إنها تراث حي لايُحفظ في المتاحف، بل يُمارس في الحياة ويُورث من جيل إلى آخر، كوصية لاتُنسى.
أجمل ما في هذه الحكاية أن القهوة لم تكن يوماً حكراً على طبقة أو فئة، بل كانت وما زالت مشتركاً شعبياً يلتقي فيه الجميع على طاولة واحدة دون اعتبار للمنصب أو المال..إنها الديمقراطية التي سبقت السياسة، والعدالة التي سبقت القوانين، والهوية التي سبقت التعريفات.
في زمن تتسارع فيه خطوات الحداثة، تبقى القهوة السعودية شاهداً على قدرة التراث على البقاء لا كذكرى وحسب، بل كقوة ناعمة تُشكل الوجدان وتُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان ومحيطه.
القهوة السعودية ليست مجرد مشروب، بل سردية وطنية تُروى في كل فنجان، وتُكتب في كل لقاء، وتُحفظ في ذاكرة لا تشيخ.
وفي الختام،
ما رأيكم في فنجان من القهوة السعودية الآن؟

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *