الميليشيات خنجر في قلب الدولة

الميليشيات خنجر في قلب الدولة

في قلب كل وطن نابض، تتشكل أحلام الشعوب لبناء مستقبل مزدهر مرتكز على العدالة والحرية والكرامة الإنسانية..ولكن هذه الأحلام كثيراً ماتُجهض على أيدي كيانات لاتؤمن بالوطن،

ولا تنتمي إليه سوى بالاسم فقط، وهي الميليشيات المسلحة التي تتستر خلف شعارات براقة مثل الدين أو المقاومة أو الثورة، لكنها تخفي أجندات تخريبية بعيدة كل البعد عن مصالح الشعوب ونهضة الأوطان..وفي كثير من الأحيان، تكون هذه الميليشيات أدوات متحركة في يد قوى إقليمية ودولية تنفذ مخططاتها على حساب أمن واستقرار الدول.

الميليشيات لاتنشأ في فراغ، بل تتغذى على الفوضى وتزدهر في غياب الدولة، مستغلةً الأزمات لتفرض نفسها بديلاً للمؤسسات الشرعية..هذه الكيانات ترفض التعددية وتقصي كل من لايتبع فكرها أو طائفتها، ولاتقبل بالاختلاف أو التنوع. ففي لبنان، يمثل ميليشيا حزب الله نموذجاً صارخاً لهذا التوجه، إذ بدل أن يكون جزءاً من النسيج الوطني، اختار أن يكون ذراعاً لإيران، ينفذ أجندتها الإقليمية، ويجر لبنان إلى صراعات لاناقة له فيها ولا جمل..سلاحه غير الشرعي وهيمنته على القرار السياسي حوّلَا الدولة إلى رهينة، وجعلَا الشعب ضحية لهذا الواقع.

وفي فلسطين، تحولت ميليشيا حماس، التي رفعت شعار المقاومة، إلى سلطة قمعية داخل غزة لاتختلف كثيراً في أساليبها عن الأنظمة الاستبدادية. فقد اختارت الانقسام بدل توحيد الصف الفلسطيني، وأرسَت هيمنتها بالقمع وتقييد الحريات. علاقتها الوثيقة بإيران وتبعيتها لسياساتها جعلت القضية الفلسطينية ورقة تفاوض بيد طهران تُستخدم حسب مصالحها، فتُهمَل حين لا تخدم أجندتها.

أما ميليشيا الإخوان المسلمين، فهي النموذج الأوضح للميليشيا الفكرية التي تتغلغل في مؤسسات الدولة بهدف تفكيكها من الداخل. هذه المليشيا لاتؤمن بمفهوم الدولة الوطنية، بل تسعى لإقامة كيان عابر للحدود يخضع لمرجعية دينية وسياسية واحدة. تاريخها حافل بمحاولات الانقلاب والتحريض والتآمر على الأنظمة، حتى في أحلك فترات تاريخ الشعوب..عداؤها للنهضة لاينبع فقط من رفضها للحداثة، بل من مخاوفها من خسارة السيطرة حين تنهض الشعوب وتتحرر من وصايتها.

الميليشيات، مهما تباينت مسمياتها أو توجهاتها، تتشابه في جوهرها؛ إذ لا تعترف بالوطن إلا حين يخدم مصالحها، ولاترى في شعبه سوى أداة لتحقيق أهدافها الخاصة. عمالتها للخارج ليست ادعاءً أو اتهاماً جزافياً، بل حقيقة مدعومة بتحركاتها وتمويلها وخطابها السياسي..حين تُرفع رايات غير راية الوطن، وحين يُقدَّم الولاء لمرشد أو قائد أجنبي، يصبح الحديث عن الوطنية مجرد وهم وعبث.

الخطر الحقيقي لايكمن فقط في الأسلحة التي تحملها هذه الميليشيات، بل في الفكر الذي تروج له، والثقافة التي تسعى لترسيخها. ثقافة الطاعة العمياء، والولاء المطلق، ورفض الآخر وهو مايجعلها تهديداً وجودياً لأي مشروع وطني يسعى إلى بناء دولة موحدة مستقرة ومتقدمة.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *