الضريبة في خدمة الوطن

الضريبة في خدمة الوطن

في قلب التحولات الاقتصادية الكبرى التي شهدتها المملكة العربية السعودية خلال العقود الأخيرة، برزت الضرائب كأداة استراتيجية لاغنى عنها في مسيرة التنمية والتحديث. فلم تكن الضرائب مجرّد إجراء مالي يُفرض على الأفراد والشركات، بل انعكاساً لرؤية شاملة تستهدف بناء اقتصاد متين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الاستدامة المالية للدولة.
ومع تطور السياسات الاقتصادية وتنوع مصادر الدخل، أصبحت الضرائب عنصراً أساسياً في منظومة التطوير الوطني، تسهم في تمويل المشاريع الحيوية، وتدعم البنية التحتية، وتفتح آفاقاً واسعة للنمو والازدهار. وقد أدركت المملكة، في ظل رؤيتها الطموحة، أن الاعتماد على مصدر واحد للدخل لم يعد خياراً مستداماً وأن تنويع الاقتصاد يتطلب أدوات فعالة تضمن استمرارية التمويل وتوزيع الموارد بعدالة..ومن هنا، جاءت الضرائب لتلعب دوراً محورياً في تحقيق هذا الهدف، حيث ساهمت في تعزيز الإيرادات العامة، وأتاحت للدولة الاستثمار في قطاعات أساسية مثل التعليم، والصحة، والنقل، والطاقة، وسواها من المجالات التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
ولم يكن هذا التوجه مجرد إجراء تقني بحت، بل خطوة مدروسة نحو بناء دولة حديثة تضاهي في تطورها كبرى الدول المتقدمة.
إن التجربة السعودية في التطبيق الضريبي لم تكن معزولة عن التجارب العالمية، بل استلهمت من نماذج الدول الرائدة التي أثبتت أن الضرائب ليست عبئاً على المواطن، وإنما وسيلة للنهوض بالأوطان وتحقيق الرخاء..ففي كثير من الدول الأوروبية، على سبيل المثال، تُعد الضرائب الركيزة الأساسية في تمويل الخدمات العامة، وتوفير فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد أظهرت شعوب تلك الدول وعياً عميقاً بأهمية الضرائب، فحرصت على الالتزام بها، إدراكاً منها أن ما يُدفع اليوم يعود غداً في صورة خدمات متقدمة، وبنية تحتية متطورة، واقتصاد قوي يضمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.
وفي السياق السعودي، لم يكن المواطن بعيداً عن هذا الوعي، بل أظهر تجاوباً ملحوظاً مع السياسات الضريبية، خاصة حين لمس آثارها الإيجابية المباشرة على حياته اليومية..ومع تطبيق ضريبة القيمة المضافة، على سبيل المثال، شهدت المملكة ارتفاعاً في الإيرادات العامة، مما مكّنها من تمويل مشاريع تنموية ضخمة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي ولم يكن الهدف من هذه الضرائب مجرد جمع للأموال، بل كانت جزءاً من رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء اقتصاد متوازن، يُسهم فيه الجميع، ويستفيد منه الجميع.

. إن الحديث عن الضرائب في المملكة العربية السعودية لايقتصر على الجانب المالي وحده، بل يمتد ليشمل أبعاداً اجتماعية وثقافية أيضاً..فهي تجسّد روح المسؤولية المشتركة بين الدولة والمواطن، وترمز إلى مفهوم الشراكة في بناء الوطن..كما تعبّر عن التزام الفرد تجاه مجتمعه واستعداده للمشاركة في نهضته وتطوره..ومن هذا المنطلق، تُعد الضرائب أداة لتعزيز الانتماء الوطني، وترسيخ قيم التعاون والتكافل، وتحفيز المواطن على المساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية.
ومايميز التجربة السعودية في هذا المجال هو حرصها على تطبيق الضرائب وفق أسلوب يتسم بالشفافية والعدالة، حيث وضعت أنظمة واضحة وإجراءات دقيقة تكفل حماية الفئات محدودة الدخل، وتراعي التفاوت في القدرات المالية بين الأفراد..كما أُنشئت هيئات متخصصة تُعنى بتنظيم العملية الضريبية وتقديم الدعم والإرشاد للمكلفين، وهو ماساهم في بناء ثقة متبادلة بين الدولة والمجتمع، وعزز من كفاءة النظام الضريبي وفاعليته.
ومع استمرار المملكة في تنفيذ رؤيتها الطموحة، تزداد أهمية الضرائب كأداة لتحقيق التنمية المستدامة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، والتحولات المتسارعة التي تشهدها الأسواق..فالضرائب تمثل ضمانة للاستقرار المالي طويل الأمد، وتُسهم في تعزيز قوة مؤسسات الدولة، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية..ومن هذا المنطلق، فإن الضريبة ليست مجرد أرقام تُسجل في دفاتر المحاسبة، بل هي نبض التنمية، وروح التقدّم، وعنوان المستقبل الذي تسعى المملكة إلى صناعته بعزم وإصرار.
ختاماً
يمكن القول إن الضرائب في المملكة العربية السعودية لم تكن يوماً عبئاً على المواطن، بل كانت دوماً بوابة نحو مستقبل أكثر إشراقاً وأداة لتحقيق تطلعات وطن يمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانته بين القوى العالمية الكبرى، وتعزيز ريادته في مختلف المجالات..ومع استمرار هذا النهج، تمضي المملكة إلى الأمام بثقة، مدعومة بإرادة شعبية واعية، وسياسات حكيمة، ورؤية لاتعرف المستحيل.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *