حينما يتحول المنصب الى رسالة نور

حينما يتحول المنصب الى رسالة نور

في زمن يضج بالخلافات وتتلاشى فيه المعاني بين صخب الشعارات يبرز نور الفكر الأصيل متجسدًا في شخصية فريدة معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ورئيس هيئة علماء المسلمين.

لم يأت فضيلته لينطق باسم الدين فحسب بل ليُعلي صوت الضمير العالمي الذي أنهكته صراعات الكراهية وويلات الفرقة.
ما أروع الخطاب حين يُقال بلغة القلب الصادقة لغة تُفهم دون الحاجة لترجمة وتُحسّ عميقًا في الوجدان قبل أن تُشرح تفاصيلها..لقد اختار فضيلة الشيخ الدكتور محمد العيسى أن يخاطب الإنسان في جوهره لا القوالب الجامدة أو الهويات الضيقة..ارتدى ثوبًا من نور ينسج فيه روح الإسلام من خيوط المحبة والعدل ويصوغ في حديثه حكمة بالغة تليق بأزمنة الضياع والتشتت الراهنة.
في عهده لم تعد الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي مجرد منصب إداري روتيني بل تحولت إلى منصة حضارية فاعلة، تنهض بالفكر المستنير قبل أن تخاطب الحدود الجغرافية.
لقد شهدت الرابطة تحولًا جذريًا من كيان تقليدي محدود التأثير إلى مؤسسة عالمية رائدة، لها امتدادها الحيوي في قلب كل عاصمة، وكل مؤتمر دولي، وكل مبادرة إنسانية تخاطب البشرية جمعاء.. لقد أضحت صوتًا مدويًا للسلام وجسرًا راسخًا للتقارب بين المختلفين ومنارة تبث ضوءًا هاديًا لا ينطفئ في ظلام الصراعات.
الرابطة في عهده لم تقف عند حدود الكلمات والبيانات بل صنعت أثرًا حقيقيًا ملموسًا على الأرض.. توسعت في حضورها الدولي، وتعددت مشاريعها الإنسانية التنموية، وشاركت بفعالية في أكبر محافل العالم، لا لتعرض الإسلام في موقف دفاع أو تبرير، بل لتقدمه كنور هادئ يسري في العتمة، يزيل الغشاوة عن الحقائق، ويوقظ الضمير الإنساني العالمي نحو قيم الخير والتعايش.
هكذا كان وهكذا ظل فضيلة الشيخ محمد العيسى لا يصيح في المنابر بالخطاب الصارخ بل يهمس بالحكمة والتعقل لا يهاجم الآراء المخالفة، بل يسعى للمصالحة والتفاهم.
لقد أدرك ببصيرته الثاقبة أن الإسلام لايحتاج إلى تبرير أو دفاع، فجوهر الحق لا يبرر نفسه، بل هو بحاجة إلى من يُظهر عدله وتسامحه، من يفتح نوافذ النور أمام العالم أجمع، ومن يُزيل الغبار عن قيمه وجواهره الخالدة.
بفضل روحه الإنسانية السامية، وسعة رؤيته الاستراتيجية، وإيمانه العميق بأن الكلمة قد تبني صروحًا عظيمة كما قد تهدمها غيّر معاليه وجه الرابطة بشكل جذري..أصبحت أكثر شراكة واندماجًا مع المنظمات الدولية الفاعلة وأكثر انفتاحًا على الحوارات الدينية العميقة بين أتباع الأديان والثقافات وأكثر قدرة على التأثير في مجريات الفكر الإنساني العالمي..اختفت منها النزعة الخطابية الجامدة التي كانت تحد من فعاليتها، وحلت محلها لغة إنسانية تواكب العصر بمتغيراته، لكنها لا تنفصل عن أصالة الدين وقيمه الثابتة.
لقد تجلى مفهوم ( الدبلوماسية الإيمانية) في كل خطوة خطاها معاليه، لا كعنوانٍ عابر يرفع بل كنهج عميق يتعامل فيه مع توترات العالم بلسان الحكمة والتعقل، ويمدّ يده بالسلام حتى وهو في مواجهة أفكار متطرفة ومدمرة..لقد وسّع مفهوم الوسطية ليشمل قلب الدين وروحه الحقيقية، وأرسى مبدأ التعايش السلمي كركيزة أساسية من أركان الإصلاح الفكري الشامل الذي ينشده.
في حضوره الملهم، يختفي التكلّف والمبالغة، وتُولد المفردات من رحم المعنى العميق..خطابه لا يُحاكي النخبة والمثقفين فحسب، بل يُنصت إليه باهتمام العامل البسيط والمفكر العميق والمتشكك على حد سواء؛ لأنه لا يُخاطب العقول بعناد وجدل بل بالأمل الصادق والبصيرة النيرة..وفي ظل قيادته الحكيمة أصبحت الرابطة قبلة لكل من يبحث عن الحقيقة المجردة، وملاذًا للمنهكين من صراعات الأيديولوجيات العقيمة..توسعت مراكزها البحثية وارتفعت برامجها التوعوية وانطلقت مبادراتها الرائدة في مجالات التعليم والحوار بين الحضارات، وتحولت إلى منصة إنسانية عالمية ترسم خريطة جديدة للتواصل والتفاهم العالمي.

. فضيلة الشيخ الدكتور محمد العيسى لم يكن مجرد محاورٍ يُجيد فن الكلام وفصاحة القول، بل كان مهندسًا فذًا يُعيد بناء الجسور التي هدمها الغلو والانغلاق والتعصب.. آمن بأن الإسلام لا يُخاطب الآخر بلغة التفوق أو الإقصاء، بل بلغة التعاون والتآخي..واعتبر أن الاختلاف ليس عيبًا يجب إزالته، بل نعمة إلهية يجب أن نُحسن التعامل معها واستثمارها وقد انعكست هذه الفلسفة العميقة على الرابطة، فأصبحت مؤتمراتها مشاعل فكر وتنوير، ومنشوراتها مصادر معرفة مستنيرة، ولقاءاتها أرضًا يتساوى فيها الجميع في الاحترام والتقدير، بغض النظر عن انتماءاتهم.
ومن مكة المكرمة، قلب العالم الإسلامي النابض، امتد صوته إلى العالم أجمع، كما تمتد قطرات المطر إلى الأرض العطشى لم يكن مجرد خطاب يُلقى، بل كان وعدًا بأن الإسلام سيظل دائمًا مرآة تعكس أسمى القيم الإنسانية لا وسيلة لتحقيق السلطة أو النفوذ، وبأن الإنسان سيظل جوهر الرسالة الإلهية، لا تابعًا للمسميات أو التصنيفات.
لقد أدرك معالي الشيخ الدكتور محمد العيسى أن العالم في هذا العصر لا يحتاج إلى المزيد من الأصوات المرتفعة الصارخة التي تزيد من حدة التوتر، بل إلى من يتحدث بصوتٍ هادئ يحمل في طياته صدقًا عميقًا وحكمة بالغة وأن السلام الحقيقي لا يُفرض بالقوة أو الإملاء بل يُقترح بحكمة وتأن ويُزرع بالحب والقبول المتبادل.
ولهذا، غدت الرابطة في عهده مدرسة للوعي المستنير، لا مؤسسة للتلقين أو الإملاء الفكري. وأصبحت مثالًا حيًا لما يكون عليه الدين عندما يقوده الإيمان الصادق والعقل المستنير، لا الأهواء والمصالح الضيقة..إنه الشيخ الذي لا يحتاج إلى ألقاب براقة ليكون عظيمًا، ولا إلى أوصاف مبالغ فيها ليكون ملهمًا؛ فحسبه حضوره الذي يضيء، ورسالته التي تنير دروب البشرية، واسمه الذي يُذكر كلما ذُكر السلام والوئام بين بني البشر.

فهد الحربي

مدون وناشط سياسي واجتماعي (من قال أن الحب لايليق لهذا الزمان؟ الحب يليق بكل زمان ومكان لكنه لايليق بكل أنسان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *