خونة بلاشرف
خونة بلاشرف

في رحاب الأرض المباركة، حيث تنبض المملكة العربية السعودية بأمنها واستقرارها، وتترسخ قيم الوفاء والولاء في أعماق أبنائها الصادقين، يبدو الحديث عن الخيانة كجرح غائر لا يُبرأ بسهولة، وكلمة تثقل اللسان وتطعن الوجدان. ليست الخيانة هنا مجرد ذنب عابر، بل هي انتكاسٌ للشرف، للدين، للوطن، وللأمانة المقدسة التي في أعناق الرجال..إنها خيانة نسجتها العقيدة أولاً ثم رسختها الثقة المتجذرة والبيعة الصادقة.
من يخون وطنه ينسلخ عن تاريخه العريق، ويتجرد من هويته الأصيلة، ويقف على مفترق طرق لا يقود إلا إلى مهاوي الهوان والخذلان. الخيانة ليست فعلًا متهورًا عابرًا فحسب، بل هي قرار واعٍ ومُتعمّد يختار صاحبه أن يكون خارج الصف الوطني، بعيدًا عن المبدأ، منبوذًا من الذاكرة الجماعية لأهله وناسه، مطرودًا من سجل العزة والشرف لا يُذكر إلا مقرونًا باللعن والخزي والخذلان الذي يلاحقه أبد الدهر.
. في بلد كالمملكة العربية السعودية، التي جعلها الله قبلة للمسلمين ومهوى للأفئدة، ونموذجًا يُحتذى به في الأمن والرخاء، تمثل الخيانة فعلًا شنيعًا يتجاوز الفرد ليطال الجماعة، ويتجاوز الخصومة الشخصية ليهدد كل مفهوم من مفاهيم السيادة والانتماء الوطني..هذه البلاد التي يحكمها ولاة أمرعُرفوا بالعدل والحكمة والرحمة، والتي يقودها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو سيدي ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- هي وطنٌ يستحق أن يُدافع عنه بالروح والدم لا أن يُباع بسرٍّ أو بمعلومة أو بموقف مدفوع الأجر.
إن الخائن لا يُغفر له، لأنه نقض العهد، وخرق البيعة الغليظة، وتنكر لدماء الشهداء الأبرار الذين ارتقوا لحماية ثرى هذا الوطن الطاهر.
إن أول من يخسر عند ارتكاب الخيانة هو الخائن نفسه؛ يخسر احترامه لذاته، ويخسر ثقة من حوله، ويخسر حاضره ومستقبله، ثم يُسلب من ذاكرته شعور الكرامة فلا يجد لها موطئًا في قلبه فينحدر متأرجحًا بين الذنب الثقيل والتبلد المشين بين الندم الذي لايجدي والجهالة التي لاتنتهي.
. ما أعظم أن يسكن الإنسان أرضًا آمنة مطمئنة بها قادة حكماء وشعب وفيٌّ مخلص!
وما أشنع أن يعضّ اليد التي أطعمته، أو أن يفشي السر الذي أقسم أن يصونه! من خان أمانة وطنه فكأنما خان بيته وأهله ودينه وماضيه كله. وما من أحد فعلها إلا وانتهى إلى خزي لا يُنسى، وجُرّ إلى عزلة لا يُخرج منها سوى اللعنات والمقت الذي يلاحقه أينما حلّ.
الخيانة لا تُفسّر ولا تُبرّر فكل من تذرّع بضيق أو ظرف أو عذر ليفسر خيانته، إنما يُلبس الحقد ثوب العقل، ويُجمّل الجريمة بمنطق زائف ومفاهيم مغلوطة وليس هناك ظرف مهما اشتد يحلّ خيانة الأوطان ولا سجنٌ أسوأ من الغدر حين يتحول الإنسان من مدافع عن الحق إلى أداة هدم وتخريب ومن ركن آمن إلى خنجر مغروس في خاصرة الوطن.
يظن الخائن أنه أذكى من الآخرين وأنه سيحصل على مكاسب أو امتيازات مقابل خيانته لكنه يكتشف ولوبعد حين أنه مجرد سلعة رخيصة تُستخدم وتُرمى وأن الخيانة لا تصنع مجدًا أو شرفًا ولا تُخلف أثرًا طيبًا في سجل التاريخ.
الخونة لا يُؤتمنون على سر ولا تُبنى عليهم أدوار بناءة ولا يُنتظر منهم إلا مزيدًا من الإنحدار الأخلاقي والسقوط.. فالمجد لا يُكتب بالجبن ولا الشرف يُنال بالغدر..وقد أثبتت لنا التجارب قديمًا وحديثًا أن كل من باع وطنه أيًّا كان السبب، انتهى إلى التشرد وإلى خسارة الكرامة إلى أن يكون منبوذًا حتى من الجهات التي استخدمته. فمن يخون وطنه يخون نفسه أولًا ثم يُسقط أي قيمة متبقية في نظر الآخرين فلا يُذكر إلا في مقام الذم ولا يُستعاد إلا في سياق الخيانة والغدر.
. في المملكة العربية السعودية يكمن الولاء في الدم، في التربية، في العقيدة، في التاريخ المتجذر ليس حب الوطن مجرد شعار يُردد أو أغنية تُغنى، بل هو سلوكٌ يومي أصيل يتجسد في حماية الأرواح، وصون الأسرار، وتثبيت المواقف الوطنية. ويظهر بوضوح في الطاعة الصادقة للقيادة الرشيدة وفي الدفاع الحاسم عن حياض الأرض المقدسة والمكتسبات الوطنية.
لهذا، فإن كل من تسوّل له نفسه خيانة هذه البلاد الطاهرة يُعزل من الجماعة، يُلفظ من بين الصفوف، يُنبذ كما يُنبذ الظلام في قلب النور الساطع..الخائن لا يجد له مرفأ آمنًا، ولا كرامة محفوظة، ولا سندًا يعينه..والمؤمن حقًا يدرك أن خيانة الوطن هي خيانة لله، فهي نقضٌ للأمانة، وخروجٌ عن الصف الموحد، وعدوانٌ على جماعة المسلمين وقد قال تعالى: {إن الله لا يحب كل خوان كفور}.
الخيانة ليست مجرد فقد للمبدأ أو ضياع للضمير، بل هي تدمير متعمد لكل ما بنته الأجيال، لكل ما دافع عنه الشهداء بدمائهم، لكل ما رسمه القادة من رؤى ومشاريع طموحة ولذا فإن الوطن لايسامح الخائن ولا يأسى عليه بل يستبدله بمن هو أهل للولاء المطلق ومن هو جدير بالثقة والعطاء والتضحية..وفي وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية نهضة حضارية غير مسبوقة تحت راية الرؤية الطموحة 2030 بقيادة ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان، لايوجد مكانٌ للخيانة ولا فرصة للمنافقين أو المرجفين أو المتلونين فالوطن الآن أكثر إدراكًا لمخاطر التآمر وأكثر عزة وشموخًا وأكثر صرامة في حفظ كيانه وكل من حاول المساس به إنما يُعادي كل حلم.. كل مشروع.. كل قيمة عظيمة بناها هذا الوطن.
. في ساحات التضحية يُذكر الأبطال وتُخلّد أسماؤهم ولا يُذكر الخونة إلا بسوء..يُخلّد الذين حافظوا على سر الوطن في أصعب المواقف، الذين ماتوا دون أن يفشوا معلومة، الذين نطقوا بالوفاء في أشد لحظات الضعف؛ يُكتبون في صدر التاريخ المشرق ويُذكَرون في مجالس الكرامة. أما الخائن فيُنسى كما يُنسى الحرف القبيح، ويُطرد من مجالس العز، لا يُحترم ولا يُخلّد ولا يُدعى لذكر كريم يصبح سجين ماضيه المظلم، مطرودًا حتى من أحلامه غريبًا عن أهله منكسرًا في قلبه مكسورًا في ضميره.
اللهم احفظ المملكة العربية السعودية واحفظ لها أمنها واستقرارها.
اللهم اجعل هذا الوطن في مأمن من كل خائن ومن كل من يريد به سوءًا.
ويبقى الوطن بأهله الأوفياء، وبأرضه الطاهرة، وبقيادته الحكيمة، حصنًا منيعًا لا تهزه رياح الخيانة، ولا تنال منه سيول الغدر.
وتبقى الخيانة فعلًا لا يليق إلا بالهوان،
لايسكن إلا في القلوب الخاوية التي هرب منها الضمير وسكنها الطمع والخذلان.